للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عمّك، وما همّ به من شأني؟ " فجعل يامين لرجلٍ جُعلًا على أن يقتل عمرو بن جحّاشٍ فقتله، لعنه اللَّه.

قال ابن إسحاق: فأنزل اللَّه فيهم سورة "الحشر" بكمالها، يذكر فيها ما أصابهم به من نقمته وما سَلَّطَ عليهم به رسوله ، وما عمل به فيهم.

ثم شرع ابن إسحاق يفسّرها، وقد تكلّمنا عليها بطولها مبسوطةً في كتابنا "التفسير" (١) وللَّه الحمد.

قال اللَّه تعالى: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ (٢) وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (٣) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٤) مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الحشر: ١ - ٥].

سبّح نفسه الكريمة، وأخبر أنه يسبّح له جميع مخلوقاته العلويّة والسّفليّة، وأنه العزيز وهو منيع الجناب، فلا ترام عظمته وكبرياؤه، وأنه الحكيم في جميع ما خلق وجميع ما قدّر وشرع، فمن ذلك تقديره وتدبيره وتيسيره لرسول اللَّه وعباده المؤمنين في ظفرهم بأعدائهم من اليهود، الذين شاقّوا اللَّه ورسوله، وجانبوا رسوله وشرعه، وما كان من السبب المقتضي لقتالهم، كما تقدّم، حتى حاصرهم المؤيّد بالرعب والرّهب مسيرة شهرٍ، ومع هذا فأسرهم بالمحاصرة بجنوده ونفسه الشريفة ستّ ليالٍ، فذهب بهم الرعب كلّ مذهبٍ، حتى صانعوا وصالحوا على حقن دمائهم، وأن يأخذوا من أموالهم ما استقلّت به ركابهم، على أنهم لا يستصحبون شيئًا من السلاح؛ إهانة لهم واحتقارًا، فجعلوا ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ﴾. ثم ذكر تعالى أنه لو لم يصبهم هذا الجلاء، وهو التّسيير والنّفي من جوار الرسول من المدينة، لأصابهم ما هو أشدّ منه من العذاب الدنيويّ، وهو القتل، مع ما ادّخر لهم في الآخرة من العذاب الأليم المقدّر لهم. ثم ذكر تعالى حكمة ما وقع من تحريق نخلهم، وترك ما بقي منه لهم، وأن ذلك كلّه سائغ، فقال: ﴿مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ﴾ وهو جيّد التمر ﴿أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ﴾ إن الجميع قد أُذن فيه شرعًا وقدرًا، فلا حرج عليكم فيه، ولنعم ما رأيتم من ذلك، وليس هو بفسادٍ، كما قاله شرار العباد، إنما هو إظهار للقوة، وإخزاءٌ للكفرة الفجرة.

وقد روى البخاريّ ومسلم (٢)، جميعًا عن قتيبة، عن اللّيث، عن نافعٍ، عن ابن عمر، أنّ رسول اللَّه حرّق نَخْل بني النّضير، وقطع، وهي البويرة (٣)، فأنزل اللَّه تعالى: ﴿مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ﴾.


(١) انظر "تفسير القرآن العظيم" للمؤلف (٨/ ٨١).
(٢) رواه البخاري رقم (٤٨٨٤) ومسلم رقم (١٧٤٦).
(٣) وهي تصغير البئر التي يُستقى منها الماء. انظر "المغانم المطابة" للفيروزابادي ص (٦٦) بتحقيق شيخنا العلَّامة حمد الجاسر .