للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من رومه (١)، بين الجُرف (٢) وزَغَابَةُ (٣)، في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تبعهم من بني كنانة وأهل تِهَامة، وأقبلت غطفان ومن تبعهم من أهل نجد، حتى نزلوا بذنب نَقَمَى إلى جانب أُحد، وخرج رسول اللَّه والمسلمون، حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع (٤) في ثلاثة آلاف من المسلمين، فضرب هنالك عسكره، والخندق بينه وبين القوم، وأمر بالذراري والنساء فجعلوا فوق الآطام.

قال ابن هشام: واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم.

قلت: وهذا معنى قوله تعالى: ﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا﴾ [الأحزاب: ١٠].

قال البخاري (٥): ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا عبدة، عن هشام بن عُرْوَة، عن أبيه، عن عائشة: ﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ﴾ قالت: ذلك يوم الخندق.

قال موسى بن عقبة: ولما نزل الأحزابُ حول المدينة أغلق بنو قريظة حصنهم دونهم.

قال ابن إسحاق (٦): وخرج حُي بن أخطب النَّضري حتى أتى كعب بن أسد القُرظي صاحب عقدهم وعهدهم، فلما سمع به كعب أغلق باب حصنه دون حُيي، فاستأذن عليه، فأبى أن يفتح له، فناداه: ويحك يا كعب! افتح لي. قال: ويحك يا حُيي! إنك امرؤ مشؤوم، وإني قد عاهدت محمدًا، فلست بناقض ما بيني وبينه، ولم أر منه إِلَّا وفاءً وصدقًا. قال: ويحك! افتح لي أُكلّمك. قال: ما أنا بفاعل. قال: واللَّه إن أغلقت دوني إِلَّا خوفًا على جشيشتك (٧) أن آكل معك منها. فأحفظ الرجل، ففتح له، فقال: ويحك يا كعب! جئتك بعزّ الدّهر وبحر طامٍ. قال: وما ذاك؟ قال: جئتك بقريش على قادتها وسادتها، حتى أنزلتُهم بمجتمع الأسيال من رومة، وبغطفان على قادتها وسادتها، حتى أنزلتُهم بذَنب نَقَمى إلى جانب أحد، قد عاهدوني وعاقدوني على أن لا يبرحوا حتى نستأصل محمدًا ومن معه. فقال كعب: جئتني واللَّه بذلِّ الدهر، وبجهام (٨) قد هراق ماؤه، يَرْعَد ويُبْرق، وليس فيه شيء، ويحك يا حيي! فدعني وما أنا عليه؛ فإني لم أر من محمد إِلَّا وفاءً وصدقًا.


(١) وهي بئرٌ في عقيق المدينة. انظر "المغانم المطابة" للفيروزابادي ص (٤٠) بتحقيق شيخنا العلَّامة حمد الجاسر .
(٢) الجُرْف: موضع على ثلاثة أميال من المدينة. انظر "المغانم المطابة" للفيروزابادي ص (٨٨).
(٣) زغابة: موضع قريب من المدينة. انظر "المغانم المطابة" للفيروزابادي ص (١٧١).
(٤) سلع: موضع بقرب المدينة. انظر "المغانم المطابة" للفيروزابادي ص (١٨٣).
(٥) رواه البخاري رقم (٤١٠٣).
(٦) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٢٢٠).
(٧) الجشيشة: نوع من أنواع الطعام. انظر "النهاية في غريب الحديث والأثر" (١/ ٢٧٣).
(٨) الجهام: السحاب الذي لا ماء فيه.