للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد تكلم عمرو بن سعد القُرظي فأحسنَ، فيما ذكره موسى بن عقبة (١)، ذكرهم ميثاق رسول اللَّه وعهده، ومعاقدتهم إياه على نصره، وقال: إذا لم تنصروه فاتركوه وعدوَّه.

قال ابن إسحاق (٢): فلم يزل حُيي بكعب يفتل في الذروة والغارب حتى سمح له -يعني في نقض عهد رسول اللَّه ، وفي محاربته مع الأحزاب- على أن أعطاه حى عهد اللَّه وميثاقه: لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدًا؛ أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك. فنقض كعب بن أسد عهده، وبرئ مما كان بينه وبين رسول اللَّه .

قال موسى بن عقبة: وأمر كعب بن أسد وبنو قريظة حُيى بن أخطب أن يأخذ لهم من قريش وغطفان رهائن تكون عندهم. يعني لئلا ينالهم ضيم إن هم رجعوا ولم يناجزوا محمدًا. قالوا: وتكون الرهائن تسعين رجلًا من أشرافهم. فنازلهمِ حُى على ذلك، فعند ذلك نقضوا العهد، ومزّقوا الصحيفة التي كان فيها العهد، إِلَّا بني سَعْيَة أَسد، وأَسِيد، وثعلبة، فإنهم خرجوا إلى رسول اللَّه .

قال ابن إسحاق (٣): فلما انتهى الخبر إلى رسول اللَّه وإلى المسلمين، بعث سعد بن معاذ، وهو يومئذ سَيِّد الأوس، وسعد بت عُبَادة، وهو يومئذ سَيِّد الخزرج، ومعهما عبد اللَّه بن رواحة وخوَّات بن جبير، فقال: "انطلقوا حتى تأتوا هؤلاء القوم فتنظروا أحق ما بلغنا عنهم، فإن كان حقًّا فالحنوا لي لحنًا أعرفه، ولا تفتُّوا فى أعضاد المسلمين، وإن كانوا على الوفاء فاجهروا به للناس". قال: فخرجوا حتى أتوهم.

قال موسى بن عقبة (٤): فدخلوا معهم حصنهم، فدعوهم إلى الموادعة وتجديد الحلف، فقالوا: الآن وقد كسر جناحنا وأخرجهم؟! يريدون بني النَّضير، ونالوا من رسول اللَّه ، فجعل سعد بن عبادة يشاتمهم، فاغضبوه، فقال له سعد بن معاذ: إنا واللَّه ما جئنا لهذا، ولمَا بيننا أكبر من المشاتمة. ثم ناداهم سعد بن معاذ فقال: إنكم قد علمتم الذي بيننا وبينكم يا بني قريظة، وأنا خائف عليكم مثل يوم بنى النَّضير أو أَمَرَّ منه. فقالوا: أكلت أير أبيك. فقال: غير هذا من القول كان أجمل بكم وأحسن.

وقال ابن إسحاق (٥): نالوا من رسول اللَّه ، [وقالوا]: مَنْ رسول اللَّه؟ لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد. فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه، وكان رجلًا فيه حِدّة، فقال له سعد بن عُبَادة: دع عنك مشاتمهم، لِما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة. ثم أقبل السعدان ومن معهما إلى رسول اللَّه فسلَّموا


(١) انظر "دلائل النبوة" للبيهقي (٣/ ٤٠١).
(٢) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٢٢١).
(٣) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٢٢١).
(٤) انظر "دلائل النبوة" للبيهقي (٣/ ٤٠٣).
(٥) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٢٢٢).