للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فذكروا أن رسول الله ، قال: "ذاك جبريل". وكان رسول الله يُشَبِّهُ دِحْيَةَ الكلبي بجبريل، فقال: "الحقوني ببني قريظة، فصلّوا فيهم العصر". فقاموا ومن شاء الله من المسلمين، فانطلقوا إلى بني قريظة، فحانت صلاة العصر وهم بالطريق، فذكروا الصلاة، فقال بعضهم لبعض: ألم تعلموا أن رسول الله أمركم أن تصلوا العصر في بني قريظة؟! وقال آخرون: هي الصلاة. فصلى منهم قوم، وأخرت طائفة الصلاة حتى صلَّوها في بني قُريظة بعد أن غابت الشمس، فذكروا لرسول الله من عجَّل منهم الصلاة ومن أخّرها، فذكروا أن رسول الله لم يعنّف واحدًا من الفريقين. قال: فلما رأى علي بن أبي طالب رسول الله مقبلًا تلقاه وقال: ارجع يا رسول الله، فإن الله كافيك اليهود. وكان علي قد سمع منهم قولًا سيئًا لرسول الله وأزواجه، ، فكره عليٌّ أن يسمع ذلك رسول الله ، فقال رسول الله : "لم تأمرني بالرجوع؟ " فكتمه ما سمع منهم، فقال: "أظنُك سمعت لي منهم أذى، فامض فإن أعداء الله لو قد رأوني، لم يقولوا شيئًا مما سمعت". فلما نزل رسول الله بحصنهم، وكانوا في أعلاه، نادى بأعلى صوته نفرًا من أشرافهم، حتى أسمعهم، فقال: "أجيبوا يا معشر يهود، يا إخوة القردة، قد نزل بكم خزي الله "﷿". فحاصرهم رسول الله بكتائب المسلمين بضع عشرة ليلة، وردَّ الله حُيَي بن أخطب، حتى دخل حصن بني قُريظة، وقذف الله في قلوبهم الرعب، واشتد عليهم الحصار، فصرخوا بأبي لبابة بن عبد المنذر، وكانوا حلفاء الأنصار، فقال أبو لبابة: لا آتيهم حتى يأذن لي رسول الله . فقال له رسول الله : "قد أذنتُ لك". فأتاهم أبو لبابة فبكوا إليه وقالوا: يا أبا لبابة، ماذا ترى وماذا تأمرنا؟ فإنه لا طاقة لنا بالقتال. فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقه، وأمرَّ عليه أصابعه، يريهم أنما يراد بكم القتل. فلما انصرف أبو لبابة سُقط في يده، ورأى أنه قد أصابته فتنة عظيمة، فقال: والله لا أنظر في وجه رسول الله حتى أحدث لله توبة نصوحًا، يعلمها الله من نفسي. فرجع إلى المدينة، فربط يديه إلى جِذع من جذوع المسجد. وزعموا أنه ارتبط قريبًا من عشرين ليلة، فقال رسول الله ، كما ذكر (١)، حين راث (٢) عليه أبو لبابة: "أما فرغ أبو لبابة من حلفائه؟ " قالوا: يا رسول الله، قد والله انصرف من عند الحصن، وما ندري أين سلك. فقال رسول الله : "قد حدث لأبي لبابة أمر، ما كان عليه". فأقبل رجل من عند المسجد فقال: يا رسول الله، قد رأيت أبا لبابة ارتبط بحبل إلى جذع من جذوع المسجد. فقال رسول الله :" لقد أصابته بعدي فتنة، ولو جاءني لاستغفرت له، وإذ قد فعل هذا فلن أُحَرِّكه من مكانه حتى يقضيَ الله فيه ما يشاء".

وهكذا رواه ابن لهيعة (٣)، عن أبي الأسود، عن عُرْوَة.


(١) قوله: "كما ذكر" لم يرد في (ط).
(٢) أي: أبطأ. وفي (ط): "حين غاب".
(٣) انظر "دلائل النبوة "للبيهقي (٤/ ١٤).