للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو محمد بن حزم الظّاهري في كتابه (١) "السيرة" (٢): وعلم الله أنا لو كنَّا هناك، لم نصلِّ العصر إلا في بني قُريظة، ولو بعد أيام. وهذا القول منه ماشٍ على قاعدته الأصلية الموصلة (٣) إلى الأخذ بالظَّاهر.

وقالت طائفة أخرى من العلماء: بل الذين صلّوا الصلاة في وقتها لما أدركتهم وهم في مسيرهم، هم المصيبون؛ لأنهم فهموا أن المراد إنما هو تعجيل السير إلى بني قريظة، لا تأخير الصلاة، فعملوا بمقتضى الأدلّة الدالة على أفضلية (٤) الصلاة في أول وقتها، مع فهمهم عن الشارع ما أراد، ولهذا لم يعنّفهم، ولم يأمرهم بإعادة الصلاة في وقتها الذي حوِّلت إليه يومئذ، كما يدَّعيه أولئك، وأما أولئك الذين أخّروا، فعذروا بحسب ما فهموا، وأكثر ما كانوا يؤمرون (٥) بالقضاء، وقد فعلوه. وأما على قول من يجوِّز تأخير الصلاة لعذر القتال، كما فهمه البخاري، حيث احتجّ على ذلك بحديث ابن عمر المتقدم في هذا، فلا إشكال على من أخّر، ولا على من قدّم أيضًا، والله أعلم.

ثم قال ابن إسحاق (٦): وقَدَّم رسول الله علي بن أبي طالب ومعه رايته (٧)، [إلى بني قُريظة] وابتدرها الناس.

وقال موسى بن عقبة في "مغازيه" (٨)، عن الزهري: عن رسول الله في مغتسله، كما يزعمون، قد رَجَّلَ أحد شقيه، أتاه جبريل على فوس عليه لأْمَتُهُ، حتى وقف بباب المسجد عند موضع الجنائز، فخرج إليه رسول الله ، فقال له جبريل: غفر الله لك، أوَقد وضعتَ السلاح؟ قال: "نعم". فقال جبريل: لكنا لم نضعه منذ نزل بك العدو، وما زِلْتُ في طلبهم حتى هزمهم الله. ويقولون: إن على وجه جبريل لأثر الغبار. فقال له جبريل: إن الله قد أمرك بقتال بني قُريظة، فَأَنَا عامد إليهم بمن معي من الملائكة؛ لأُزلزل بهم الحصون، فاخْرُجْ بالناسِ. فخرج رسول الله في أثر جبريل، فمرّ على مجلس بني غَنْمٍ وهم ينتظرون رسول الله ، فسألهم فقال: "مرَّ عليكم فارس آنفًا؟ " قالوا: مرَّ علينا دِحْيَةُ الكلبي على فرس أبيض، تحته نمط أو قطيفة من ديباج، عليه اللأْمَةُ.


(١) في (ط): "في كتاب".
(٢) انظر "جوامع السيرة" لابن حزم ص (١٩٢) بتحقيق العالمين الفاضلين د. إحسان عباس، ود. ناصر الدين الأسد، ومراجعة العلّامة الشيخ أحمد محمد شاكر .
(٣) لفظ "الموصلة" لم يرد في (ط).
(٤) في (آ): "وعلى فضيلة" وأثبت لفظ (ط).
(٥) في (آ): "وأكثر ما كانوا يؤمروا" وأثبت لفظ (ط).
(٦) أنظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٢٣٤).
(٧) في "السيرة النبوية" لابن هشام: "برايته" وما بين الحاصرتين تكملة منها.
(٨) انظر "دلائل النبوة" للبيهقي (٤/ ١١).