للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: وكذا قال خليفة، وأبو عُبيدة مَعْمَر بن المثنَّى، وابن البرقيِّ: إن تزويج أُمِّ حبيبة كان في سنة ستّ. وقال بعض الناس: سنة سبع.

قال البيهقي: وذهب ابن إسحاق إلى أنه تزوج بأُم حبيبة قبل أُمِّ سلمة.

قال البيهقيُّ: وهو أشبه.

قلت: قد تقدَّم تزويجه، ، بأُمِّ سلمة في أواخر سنة أربع، وأمَّا أُمُّ حبيبة فيحتمل أن يكون قبل ذلك، ويحتمل أن يكون بعده، وكونه بعد الخندق أشبه؛ لما تقدَّم من ذكر عمرو بن العاص أنه رأى عمرو بن أُمية عند النجاشيِّ، فهو في قضيتها، والله أعلم.

وقد حكى الحافظ ابن الأثير في "الغابة" (١) عن قتادة، أن أمِّ حبيبة لما هاجرت من الحبشة إلى المدينة خطبها رسول الله وتزوَّجها. وحَكَى عن بعضهم أنه تزوَّجها بعد إسلام أبيها بعد الفتح، واحتجَّ هذا القائل بما رواه مسلم (٢) من طريق عكرمة بن عمَّار اليماميِّ (٣)، عن أبي زميل سماك بن الوليد، عن ابن عباس أن أبا سفيان قال: يا رسول الله، ثلاث أعطنيهن. قال: "نعم". قال: تؤمِّرني على أن أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين. قال: "نعم". قال: ومعاوية تجعله كاتبًا بين يديك. قال: "نعم". قال: وعندي أحسن العرب وأجملهم أمُّ حبيبة بنت أبي سفيان أزوَّجكها … الحديث بتمامه.

قال ابن الأثير: وهذا الحديث مما أُنكر على مسلم، لأن أبا سُفيان لما جاء يجدِّد العقد قبل الفتح، دخل على ابنته أمِّ حبيبة فثنت عنه فراش النبيِّ ، فقال: والله ما أدري أرغبتِ بي عنه، أو به عني؟ قالت: بل هذا فراش رسول الله ، وأنت رجل مشرك. فقال: والله لقد أصابك بعدي يا بنيَّة شرّ.

وقال ابن حزم: هذا الحديث وضعه عكرمة بن عفَار. وهذا القول منه لا يتابع عليه.

وقال آخرون: أراد أن يجدِّد العقد لما فيه بغير إذنه من الغضاضة عليه.

وقال بعضهم: لأنه اعتقد انفساخ نكاح ابنته بإسلامه. وهذه كلُّها ضعيفة، والأحسن في هذا أنه أراد أن يزوِّجه ابنته الأخرى عزَّة، لما رأى في ذلك من الشرف له، واستعان بأختها أُمِّ حبيبة كما في "الصحيحين" (٤)، وإنما وهم الراوي هذا بتسميته أُمَّ حبيبة، وقد أفردنا لذلك جزءًا مفردًا.

قال أبو عبيد القاسم بن سلَّام: توفيت أُمُّ حبيبة سنة أربع وأربعين (٥).


(١) انظر "أسد الغابة" (٧/ ١١٦).
(٢) في "صحيحه" رقم (٢٥٠١).
(٣) في (ط): "اليماني" وهو خطأ، وانظر "تحرير تقريب التهذيب" (٣/ ٣١).
(٤) رواه البخاري رقم (٥١٠١) و (٥١٠٦) و (٥٣٧٢) ومسلم رقم (١٤٤٩).
(٥) وهو ما جزم به ابن العماد الحنبلي في "شذرات الذهب" (١/ ٢٣٦) بتحقيقي.