للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال شهر بن حوشب، وغيره: كان إبليس من الجنِّ الذينَ طردتهم (١) الملائكة فأسرَه بعضهم فذهبَ به إلى السماء. رواه ابن جرير.

قالوا: فلما أراد اللَّه خلقَ آدمَ ليكونَ في الأرض هو وذريَّته من بعده، وصوَّر جثته منها، جعلَ إبليسُ -وهو رئيسُ الجَانِّ وأكثرُهم عبادة إذ ذاك، وكانَ اسمُه عزازيل- يطيفُ به، فلما رآه أجوفَ علم (٢) أنه خَلْقٌ لا يتمالك، وقال: أما لئن سُلِّطْتُ عليكَ لأهلكنَّكَ، ولئن (٣) سُلِّطْتَ عليَّ لأعصينَّك، فلما أنْ نفخَ اللَّه في آدم من روحه، كما سيأتي (٤)، وأمر الملائكة بالسجود له دخلَ إبليسَ منه حسد عظيم وامتنع من السجود له وقال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين، فخالفَ الأمرَ، واعترضَ على الربِّ ﷿، وأخطأ في قوله، وابتعد من رحمة ربِّه، وأُنزلَ من مرتبتهِ التي كان قد نالَها بعبادتِه، وكان قد تشبَّه بالملائكة، ولم يكنْ من جنسهم، لأنه مخلوقٌ من نار، وهم من نور، فخانَه طبعُه في أحوج ما كان إليه، ورجعَ إلى أصله الناريِّ ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٧٣) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [ص: ٧٣ - ٧٤] وقال تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا﴾ [الكهف: ٥٠].

فأُهْبِطَ إبليسُ من الملأ الأعلى وحُرِّمَ عليه قدَرًا أن يسكنه، فنزلَ إلى الأرض ذليلًا حقيرًا (٥) مذؤومًا مدحورًا (٦)، متوعَّدًا بالنار هو ومن اتَّبعه من الجن والإنس، إلا أنه مع ذلك جاهدَ كلَّ الجهد على إضلال بني آدم بكل طريق وبكلّ مَرْصدٍ (٧)، كما قال: ﴿أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (٦٢) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (٦٣) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (٦٤) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا﴾ [الإسراء: ٦٢ - ٦٥].

وسنذكر القصة مستقصاة (٨) عند ذكر خلق آدم . والمقصود أنَّ الجانَ خُلقوا من النَّار، وهم كبني آدمَ، يأكلونَ ويشربونَ ويتناسلونَ، ومنهم المؤمنون، ومنهم الكافرون، كما أخبرَ تعالى عنهم


(١) في الأصول: طردوهم، والتصحيح من تفسير الطبري (٨/ ٢٣٦).
(٢) في المطبوع: عرف.
(٣) في أ: وإن.
(٤) سيأتي في باب خلق آدم (ص ١٠٩).
(٥) في المطبوع: حقيرًا ذليلًا.
(٦) مدحورًا: مطرودًا.
(٧) مرصد: الطريق والمكان يُرصد منه العدوُّ.
(٨) في المطبوع: مستفاضة. وانظر القصة في باب خلق آدم (ص ١٠٩) وما بعدها.