للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وضعته في تَوْر (١)، فقالت: اذهب بهذا إلى رسول الله ، وأخبره أنَّ هذا مِنَّا له قليل. قال أنس: والناس يومئذ في جهد، فجئت به فقلت: يا رسول الله بعثتْ بهذا أمُّ سُلَيم إليك، وهي تقرئك السلام وتقول: أخبره أن هذا منّا له قليل. فنظر إليه ثم قال: "ضعه". فوضعتُه في ناحية البيت، ثم قال: "اذهب فادع لي فلانًا وفلانًا" فسمَّى رجالًا كثيرًا. قال: "ومن لقيتَ من المسلمين". فدعوت من قال لي، ومن لقيت من المسلمين، فجئت والبيت والصُّفة والحُجْرَة ملأى من الناس، فقلت: يا أبا عثمان، كم كانوا؟ قال: كانوا زهاء ثلاثمئة. قال أنس: فقال لي رسول الله : "جئ به". فجئت به إليه، فوضع يده عليه ودعا، وقال: "ما شاء الله". ثم قال: "ليتحلَّق عشرة عشرة، ويُسَمُّوا، وليأكل كلُّ إنسان مما يليه". فجعلوا يسمُّون ويأكلون حتى أكلوا كلُّهم، فقال لي رسول اللّه : "ارفعه". قال: فجئت فأخذت التَّوْر فنظرت، فما أدري أهو حين وضعته أكثر أم حين رفعته. قال: وتخلَّف رجال يتحدَّثون في بيت رسول الله ، وزوج رسول الله التي دخل بها معهم مولِّية وجهها إلى الحائط، فأطالوا الحديث، فشقُّوا على رسول الله ، وكان أشدَّ الناس حياء، ولو علموا كان ذلك عليهم عزيزًا، فقام رسول الله ، فخرج فسلَّم على حجره وعلى نسائه، فلمَّا رأوه قد جاء ظنُوا أنهم قد ثفلوا عليه، ابتدروا الباب فخرجوا، وجاء رسول اللّه ، حتى أرخى السِّتر، ودخل البيت وأنا في الحجرة، فمكث رسول الله في بيته يسيرًا، وأَنزل الله عليه القرآن، فخرج وهو يقرأ هذه الآية: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (٥٣) إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٣، ٥٤]. قال أنس: فقرأهن عليَّ قبل الناس، وأنا أَحْدَثُ الناس بهن عهدًا.

وقد رواه مسلم والترمذي والنسائي (٢) جميعًا، عن قتيبة، عن جعفر بن سليمان، عن الجعد أبي عثمان به. وقال الترمذي: حسن صحيح.

ورواه مسلم أيضًا (٣)، عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الجعد أبي عثمان، به.

وقد روى هذا الحديث البخاريُّ والترمذيُّ والنسائيُّ (٤)، من طرق، عن بيان أبي بشر الأحمسيِّ الكوفيِّ، عن أنس، بنحوه.


(١) أي: في إناء. انظر "النهاية في غريب الحديث والأثر" (١/ ١٩٩).
(٢) رواه مسلم رقم (١٤٢٨) (٩٤) والترمذي رقم (٣٢١٨) والنسائي رقم (٣٣٨٧).
(٣) في "صحيحه" رقم (١٤٢٨) (٩٥).
(٤) رواه البخاري رقم (٥١٧٠) والترمذي رقم (٣٢١٩) والنسائي في "السنن الكبرى" رقم (١١٤١٧).