للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خذها وأنا ابن الأَكوع … اليوم يوم الرُّضَّعِ

قال: فقال: يا ثُكل أمِّ أكوع بُكرةَ. فقلت: نعم، أي عدوَّ نفسه. وكان الذي رميته بكرة، وأتبعته سهمًا آخر فعلق به سهمان، ويخلفون فرسين فجئت [بهما] أسوقهما إلى رسول اللّه وهو على الماء الذي أجليتهم عنه، ذو قرد، وإذا بنبيِّ الله في خمسمئة، وإذا بلال قد نحر جزورًا مما خَلَفْتُ، فهو يشوي لرسول اللّه من كبدها وسنامها، فأتيت رسول اللّه فقلت: يا رسول اللّه، خلِّني فأنتخب من أصحابك مائة، فآخذ على الكُفَّار بالعشوة، فلا يبقى منهم مخبر إلا قتلته. فقال: "أكنتَ فاعلًا ذلك يا سلمة؟ "قال: قلت: نعم والذي أكرمك. فضحك رسول اللّه ، حتى رأيت نواجذه في ضوء النار، ثم قال: "إنهم يُقْرَون الآن بأرض غطفان". فجاء رجل من غطفان فقال: مَرُّوا على فلان الغطفانيِّ، فنحر لهم جزورًا، فلمَّا أخذوا يكشطون جلدها رأوا غبرة، فتركوها وخرجوا هرابًا، فلمَّا أصبحنا قال رسول اللّه : "خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجَّالتنا سلمة". فأعطاني رسول اللّه سهم الفارس والراجل جميعًا، ثم أردفني وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة، فلمَّا كان بيننا وبينها قريب من ضحوة، وفي القوم رجل من الأنصار كان لا يسبق، جعل ينادي: هل من مسابق؟ ألا رجل يسابق إلى المدينة؟ فأعاد ذلك مرارًا، وأنا وراء رسول اللّه مردفي، فقلت له: أما تكرم كريمًا ولا تهاب شريفًا؟ قال: لا، إلا رسول اللّه . قال: قلت يا رسول اللّه، بأبي أنت وأمي، خلِّني فلأسابق الرجل. قال: "إن شئت". قلت: اذهب إليك. فطفر عن راحلته وثنيت رجليَّ فطفرت عن الناقة، ثم إني ربطت عليه شرفًا أو شرفين، يعني استبقيت من نفسي، ثم إني عدوت حتى ألحقه، فأَصُكُّ بين كتفيه بيدي، قلت: سبقتك واللّه. أو كلمة نحوها. قال: فضحك وقال: إن أظنُّ. حتى قدمنا المدينة.

وهكذا رواه مسلم (١)، من طرق، عن عكرمة بن عمَّار، بنحوه، وعنده: سبقتُه إلى المدينة، فلم نلبث إلا ثلاثًا حتى خرجنا إلى خيبر. ولأحمد هذا السياق.

ذكر البخاريُّ والبيهقيُّ هذه الغزوة بعد الحديبية وقبل خيبر، وهو أشبه مما ذكره ابن إسحاق، واللّه أعلم، فينبغي تأخيرها إلى أوائل سنة سبع من الهجرة، فإنَّ خيبر كانت في صفر منها.

وأما قصة المرأة التي نجت على ناقة النبيِّ ونذرت نحرها لنجاتها عليها، فقد أوردها ابن إسحاق (٢) بروايته، عن أبي الزبير، عن الحسن البصريِّ مرسلًا، وقد جاء متَّصلًا من وجوه أخر.

قال الإمام أحمد (٣): ثنا عفَّان، ثنا حمَّاد بن زيد، ثنا أيوب، عن أبي قِلابة، عن أبي المُهَلَّب،


(١) في "صحيحه "رقم (١٨٠٧).
(٢) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٢٨٥).
(٣) رواه أحمد في "المسند" (٤/ ٤٣٠).