للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن شمَّاس، أو لابن عمٍّ له، فكاتبتْه على نفسها، وكانت امرأة حلوة ملَّاحة، لا يراها أحد إلَّا أخذت بنفسه، فأتت رسول اللّه لتستعينه في كتابتها. قالت: فواللّه، ما هو إلَّا أن رأيتها على باب حجرتي فكرهتها (١)، وعرفت أنَّه سيرى منها ما رأيت. فَدَخَلَتْ عليه فقالت: يا رسول اللّه، أنا جُويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيِّد قومه، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك، فوقعتُ في السهم لثابت بن قيس بن شمَّاس، أو لابن عم له، فكاتبته على نفسي، فجئتك أستعينك على كتابتي. قال: "فهل لك في خير من ذلك؟ "قالت: وما هو يا رسول اللّه؟ قال: "أقضي عنك كتابتك، وأتزوَّجك؟ ". قالت: نعم، يا رسول اللّه. قال: "قد فعلت". قالت: وخرج الخبر إلى الناس أن رسول اللّه قد تزوَّج جُويرية بنت الحارث، فقال الناس: أصهار رسول اللّه . فأرسلوا ما بأيديهم. قالت: فلقد أعتق بتزويجه إيَّاها مئة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها.

ثم ذكر ابن إسحاق (٢) قصة الإفك بتمامها في هذه الغزوة، وكذلك البخاريُّ (٣)، وغير واحد من أهل العلم، وقد حرَّرتُ طرق ذلك كلِّه في تفسير سورة النُّور (٤)، فليلحق بكماله إلى هاهنا. وباللّه المستعان.

وقال الواقديُّ (٥): ثنا حرام، عن هشام بن عُروة، عن أبيه، قال: قالت جُويرية بنت الحارث: رأيت قبل قدوم النبيِّ بثلاث ليال، كأنَّ القمر يسير من يثرب، حتى وقع في حَجْري، فكرهت أن أخبر به أحدًا من الناس، حتى قدم رسول اللّه ، فلمَّا سُبينا رجوت الرُّؤيا. قالت: فأعتقني رسول اللّه وتزوَّجني، واللّه ما كلَّمته في قومي، حتى كان المسلمون هم الذين أرسلوهم، وما شعرت إلَّا بجارية من بنات عمِّي تخبرني الخبر، فحمدت اللّه تعالى.

قال الواقديُّ (٦): ويقال: إنَّ رسول اللّه جعل صداقها عتق أربعين من بني المصطلق.

وذكر موسى بن عقبة (٧)، عن بني المصطلق أنَّ أباها طلبها وافتداها، ثم خطبها منه رسول الله فزوَّجه إيَّاها.

* * *


(١) قلت: والكره هنا من باب غيرة المرأة من المرأة وخوفها منها على زوجها.
(٢) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٢٩٧).
(٣) في "صحيحه" رقم (٤١٤١) و (٤٧٥٠).
(٤) انظر "تفسير القرآن العظيم" للمؤلف (٦/ ١٧).
(٥) انظر "المغازي" (١/ ٤١١).
(٦) انظر "المغازي" (١/ ٤١٢).
(٧) انظر "دلائل النبوة" للبيهقي (٤/ ٥١).