للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسول اللّه ، ولم تكن امرأة من نسائه تناصيني (١) في المنزلة عنده غيرها، فأمَّا زينب فعصمها الله بدينها فلم تقل إلَّا خيرًا، وأمَّا حمنة فأشاعت من ذلك ما أشاعت، تضارُّني لأختها، فشقيت بذلك، فلمَّا قال رسول اللّه تلك المقالة، قال أُسيد بن حضير: يا رسول اللّه، إن يكونوا من الأوس، نكفكهم، وإن يكونوا من إخواننا من الخزرج، فمرنا أمرك، فواللّه إنَّهم لأهلٌ أن تضرب أعناقهم. قالت: فقام سعد بن عبادة وكان قبل ذلك [يُرى] رجلًا صالحًا، فقال: كذبت، لعمر الله، لا تضرب أعناقهم، أما واللّه ما قلت هذه المقالة إلَّا أنَّك قد عرفت أنَّهم من الخزرج، ولو كانوا من قومك ما قلت هذا. فقال أُسيد [بن حضير]: كذبت لعمر اللّه، ولكنَّك منافق تجادل عن المنافقين. قالت: وتساور الناس، حتى كاد يكون بين هذين الحيَّين من الأوس والخزرج شرٌّ، ونزل رسول اللّه فدخل عليَّ. قالت: فدعا عليّ بن أبي طالب، وأسامة بن زيد فاستشارهما، فأمَّا أسامة فأثنى خيرًا وقاله، ثم قال: يا رسول اللّه، أهلك ولا نعلم منهم إلَّا خيرًا، وهذا الكذب والباطل، وأمَّا عليٌّ فإنَّه قال: يا رسول الله، إنَّ النساء لكثير، وإنَّك لقادر على أن تستخلف، وسل الجارية فإنَّها ستصدقك. فدعا رسول الله بَرِيرة ليسألها. قالت: فقام إليها عليّ فضربها ضربًا شديدًا، ويقول: اصدقي رسول اللّه . قالت: فتقول: واللّه ما أعلم إلَّا خيرًا، وما كنت أعيب على عائشة شيئًا، إلَّا أنِّي كنت أعجن عجيني، فآمرها أن تحفظه، فتنام عنه، فتأتي الشاة فتأكله. قالت: ثم دخل عليّ رسول الله وعندي أبواي، وعندي امرأة من الأنصار، وأنا أبكي وهي تبكي، فجلس فحمد اللّه وأثنى عليه، ثم قال: يا عائشة، إنَّه قد كان ما قد بلغك من قول الناس، فاتَّقي اللّه، وإن كنتِ قد قارفت سوءًا مما يقول الناس، فتوبي إلى الله؛ فإنَّ اللّه يقبل التوبة عن عباده. قالت: فواللّه إن هو إلَّا أن قال لي ذلك، فقلص (٢) دمعي، حتى ما أحسّ منه شيئًا، وانتظرت [أبويَّ] أن يجيبا عنِّي رسول اللّه ، فلم يتكلَّما. قالت: وايم اللّه لأنا كنت أحقر في نفسي، وأصغر [شأنًا] من أن يُنَزِّل اللّه فيَّ قرآنًا يُقرأ به ويصلَّى به، ولكنّي كنت أرجو أن يُرى النَّبِيِّ في نومه شيئًا يكذب به اللّه عني؛ لما يعلم من براءتي، أو يخبر خبرًا، وأمَّا قرآنًا ينزل فيّ، فواللّه لنفسي كانت أحقر عندي من ذلك. قالت: فلمَّا لم أر أبويَّ يتكلَّمان، قلت لهما: ألا تجيبان رسول اللّه ؟ فقالا: واللّه ما ندري بماذا نجيبه. قالت: ووالله ما أعلم أهل بيت دخل عليهم ما دخل على آل أبي بكر في تلك الأيام. قالت: فلمَّا استعجما عليّ، استعبرت فبكَيت، ثم قلت: والله لا أتوب إلى اللّه ممَّا ذكرت أبدًا، واللّه إنّي لأعلم لئن أقررت بما يقول الناس، واللّه يعلم أنِّي منه بريئة، لأقولنَّ ما لم يكن، ولئن أنا أنكرت ما يقولون، لا تصدِّقونني. قالت: ثم التمست اسم يعقوب، فما أذكره، فقلت: ولكن سأقول كما قال أبو يوسف: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ [يوسف: ١٨]. قالت: فواللّه ما برح رسول الله مجلسه، حتى تغشَّاه من اللّه ما كان يتغشَّاه،


(١) أي: تنازعني.
(٢) أي: ارتفع.