للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فسجِّي بثوبه، ووضعت وسادة من أدم تحت رأسه، فأمَّا أنا حين رأيت من ذلك ما رأيت، فواللّه ما فزعت وما باليت، قد عرفت أنِّي بريئة، وأنَّ اللّه غير ظالمي، وأمَّا أبواي فوالذي نفس عائشة بيده، ما سُرِّي عن رسول الله ، حتى ظننت لتخرجنَّ أنفسهما؛ فرقًا من أن يأتي من اللّه تحقيق ما قال الناس: قالت: ثم سُرِّي عن رسول اللّه ، فجلس وإنَّه ليتحدَّر من وجهه مثل الجمان (١) في يوم شاتٍ، فجعل يمسح العرق عن جبينه ويقول: أبشري يا عائشة، قد أنزل اللّه، [﷿]، براءتك. قالت: قلت: الحمد لله (٢). ثم خرج إلى الناس فخطبهم [وتلا عليهم] ما أنزل اللّه، ﷿، من القرآن في ذلك، ثم أمر بمسطح بن أُثاثة، وحسان ين ثابت، وحمنة بنت جحش، وكانوا ممَّن أفصح بالفاحشة، فضربوا حدَّهم.

وهذا الحديث مخرَّج في "الصحيحين" (٣) عن الزُّهريِّ.

وهذا السياق فيه فوائد جمَّة، وذكر حذ القذف لحسان ومن معه رواه أبو داود في "سننه" (٤).

قال ابن إسحاق (٥): وقال قائل من المسلمين في ضرب حسان وأصحابه: [من الطويل]

لقد ذاق حسّان الذي كان أهله … وحَمْنَةُ إذ قالوا هجيرًا ومسطح

تعاطَوا برجم الغيب زوج نبيِّهم … وسَخطةَ ذي العرش الكريم فأُتْرِحوا

وآذَوا رسول اللّه فيها فجُلِّلوا … مخازي تبقى عمّموها وفُضِّحوا

وصبّت عليهم محصدات كأنَّها … شآبيب قطر من ذرا المزن تسفح

وقد ذكر ابن إسحاق (٦) أن حسان بن ثابت قال شعرًا (٧)، يهجو فيه صفوان بن المعطَّل وجماعة من قريش ممَّن تخاصم على الماء من أصحاب جهجهاه كما تقدَّم، أوَّله: [من البسيط]

أمسى الجلابيب قد عزّوا وقد كثروا … وابنُ الفُريعة أمسى بيضةَ البلد

قد ثكلت أمُّه من كنت صاحبه … أو كان منتشبًا في بُرثن الأسد

ما لقتيلي الذي أغدو فآخذه … من دية فيه يعطاها ولا قوَد

ما البحر حين تهبُّ الرِّيح شامِيَة … فيغطئلّ ويرمي العبر بالزَّبد

يومًا بأغلب منِّي حين تبصرني … ملغيظ أفري كفري العارض الرد


(١) قال الخشني: الجمان: حب من فضة يصنع على مثال الدُّرِّ. انظر "شرح غريب السيرة" (٣/ ٤٢).
(٢) في (آ): "لحمد اللّه" وأثبت لفظ (ط).
(٣) رواه البخاري رقم (٢٦٦١) و (٤١٤١) و (٤٧٥٠) ومسلم رقم (٢٢٧٠) (٥٦).
(٤) رواه أبو داود رقم (٤٤٧٥) وهو حديث حسن يشهد له حديث عمرة عن عائشة الذي قبله رقم (٤٤٧٤) فإنه يقوى بها، فهو حسن.
(٥) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٣٠٧).
(٦) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٣٠٤).
(٧) الأبيات في "ديوان حسَّان بن ثابت" (١/ ٢٨٤) مع بعض الفارق الطفيف في ألفاظها.