للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (٤١) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (٤٢) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ﴾ [الحجر: ٣٨ - ٤٤].

وقد ذكرَ تعالى هذه القصَّةَ في سورة البقرة، وفي الأعراف، وهاهنا (١)، وفي سورة سبحانَ، وفي سورة طه، وفي سورة ص. وقد تكلَّمنا على ذلك كله في مواضعه في كتابنا التفسير وللَّه الحمد. وسنوردها في قصة آدمَ إن شاء اللَّه تعالى (٢).

والمقصودُ أنَّ إبليسَ أنظرهَ اللَّه إلى يوم القيامة محنةً لعباده، واختبارًا منه لهم، كما قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾ [سبأ: ٢١] وقال تعالى: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٢) وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [إبراهيم: ٢٢ - ٢٣].

فإبليسُ لعنه اللَّه حيٌّ الآن، منظَرٌ إلى يوم القيامة بنصِّ القرآن، وله عرشٌ على وجه البحر، وهو جالسٌ عليه، ويبعثُ سراياه يُلقون بينَ النَّاس الشَّرَّ والفتنَ. وقد قال اللَّه تعالى: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [النساء: ٧٦] وكان اسمُه قبلَ معصيته العظيمة عزازيل، قال النَّقَّاشُ: وكنيته: أبو كردوس، ولهذا لما قال النبيُّ لابن صيَّاد: "ما ترى؟ " (٣) قال: أرى عرشًا على الماء. فقال له النبيُّ : "اخسأْ فلنْ تعدو قَدْرَكَ" (٤) فعرفَ أن مادَّة مكاشفته التي كاشفَه بها شيطانيَّة، مستمدَّة من إبليس الذي هو يُشاهد عرشَه على البحر، ولهذا قال له: "اخسأ فلنْ تعدو قَدْركَ" (٤) أي: لن تُجاوزَ قيمتك الدنية الخسيسة الحقيرة.

والدليلُ على أنَّ عرشَ إبليسَ على البحر الحديثُ الذي رواه الإمام أحمد: حدَّثنا أبو المغيرة، حدَّثنا صفوان، حدَّثني ماعز التميمي، عن جابر بن عبد اللَّه، قال: قال رسول اللَّه : "عرشُ إبليس [على] البحر، يبعثُ سراياه في كلِّ يوم يفتنون النَّاسَ، فأعظمُهم عندَه منزلةً أعظمُهم فتنةً للناس" (٥).

وقال أحمد (٦): حدَّثنا روح، حدَّثنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنَّه سمعَ جابرَ بن عبد اللَّه


(١) أي: في سورة الحجر.
(٢) انظر باب خلق آدم (ص ١٠٩).
(٣) أخرجه أحمد في المسند (٣/ ٦٦ و ٩٧) عن أبي سعيد الخدري و (٣/ ٣٨٨) عن جابر.
(٤) أخرجه مسلم في صحيحه (٢٩٣٠) في الفتن وأشراط الساعة.
(٥) في المسند (٣/ ٣٥٤).
(٦) في المسند (٣/ ٣٨٤).