للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول: سمعتُ رسول اللَّه يقول: "عرشُ إبليسَ على البحر، يبعثُ سراياه، فيفتنون النَّاس، فأعظمُهم عنده أعظمهم فتنةً" تفرَّد به من هذا الوجه.

وقال أحمد (١): حدَّثنا مُؤمَّل، حدَّثنا حمَّاد، حدَّثنا علي بن زَيْد، عن أبي نضرة، عن جابر بن عبد اللَّه، قال: قال رسول اللَّه لابن صائد: "ما ترى؟ قال: أرى عرشًا على الماء -أو على البحر- حولَه حيَّات" قال : ذاك عرش إبليس. هكذا رواه في مسند جابر.

وقال في مسند أبي سعيد (٢): حدَّثنا عفَّان، حدَّثنا حمَّاد بن سَلَمة، أنبأنا عليُّ بن زَيْد، عن أبي نَضْرة، عن أبي سعيد؛ أنَّ رسولَ اللَّه قال لابن صيَّاد: "ما ترى؟ " قال: أرى عرشًا على البحر حوله الحيَّات. فقال رسول اللَّه : "صَدقَ، ذاك عرشُ إبليس".

وروى الإمام أحمد (٣): من طريق ماعز التَّميميّ وأبي الزُّبير، عن جابر بن عبد اللَّه، قال: قال رسول اللَّه : "إنَّ الشيطانَ قد يئسَ أن يعبدَه المُصلُّونَ، ولكن في التحريش بينهم".

وروى الإمام مسلم (٤): من حديث الأعمش، عن أبي سفيان -طلحة بن نافع- عن جابر، عن النبي قال: "إنَّ الشيطان يضعُ عرشَه على الماء، ثم يبعثُ سَراياه في النَّاسِ، فأقربُهم عندَه منزلةً أعظمهم عنده فتنة، يجيءُ أحدُهم فيقول: ما زلتُ بفلانٍ حتى تركته وهو يقول: كذا وكذا، فيقول إبليس: لا واللَّه ما صنعتَ شيئًا. ويجيءُ أحدُهم فيقول: ما تركته حتى فرَّقت بينه وبين أهله، قال: فيُقرِّبه ويُدنيه. ويلتزمه. ويقول: نِعْم أنتَ".

يُروى بفتح النون بمعنى نَعَمْ أنت ذاك الذي تستحقُّ الإكرامَ، وبكسرها، أي: نِعْمَ منْكَ. وقد استدلَّ به بعضُ النحاة على جواز كون فاعل نعم مضمرًا، وهو قليل. واختارَ شيخُنا الحافظ أبو الحجَّاج الأوَّلَ، ورجَّحه، ووجَّهه بما ذكرْناه، واللَّه أعلم.

وقد أوردنا هذا الحديث (٥) عند قوله تعالى: ﴿مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾ [البقرة: ١٠٢] يعني: أنَّ السحرَ المتلقَّى عن الشياطين من الإنس والجنِّ، يُتوصَّل به إلى التفرقة بين المتآلفين غاية التآلف، المتوادَّين المتحابَّين، لهذا يشكرُ إبليسُ سعيَ من كان السبب في ذلك. فالذي ذمَّه اللَّه يمدحُه، والذي يُغْضِبُ اللَّه يُرْضيه، عليه لعنة اللَّه.

وقد أنزل اللَّه ﷿ سورتي المعوِّذتين مطردةً لأنواع الشر وأسبابه وغاياته، ولا سيما سورة


(١) أخرجه أحمد في المسند (٣/ ٦٦ و ٣٨٨).
(٢) من المسند (٣/ ٩٦).
(٣) في المسند (٣/ ٣٥٤) عن ماعز التميميّ وهو في صحيح مسلم (٢٨١٢) في صفات المنافقين.
(٤) في صحيحه (٢٨١٣) (٦٧) في صفات المنافقين وقد ذكره المؤلف بالمعنى.
(٥) انظر تفسير ابن كثير (١/ ١٨٠).