للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلَهِ النَّاسِ (٣) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾ [الناس: ١ - ٦].

وثبتَ في الصحيحين (١) عن أنس، وفي صحيح البخاري (٢) عن صفيَّة بنت حيي أن رسول اللَّه قال: "إنَّ الشيطان يجري من ابنِ آدم مجرى الدم".

وقال الحافظ أبو يعلى المَوْصلي (٣): حدَّثنا محمد بن بحر، حدَّثنا عديّ بن أبي عمارة، حدَّثنا زياد النُّمَيْري، عن أنس، قال: قال رسول اللَّه : "إنَّ الشيطانَ واضع خَطْمه على قَلْب ابن آدم، فإن ذكرَ اللَّه خَنَسَ، وإن نسيَ التقمَ قلبه، فذلك الوسواسُ الخنَّاسُ".

ولما كانَ ذكرُ اللَّه مطردةً للشيطان عن القلب، كان فيه تذكار للنَّاس، كما قال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ [الكهف: ٢٤] وقال صاحب موسى: ﴿وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ [الكهف: ٦٣] وقال تعالى: ﴿فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ﴾ [يوسف: ٤٢] يعني الساقي لما قال له يوسف: اذكرني عند ربِّكَ، نسيَ الساقي أن يذكرَه لربِّه، يعني مولاه الملك، وكان هذا النسيانُ من الشيطان، فلبثَ يوسفُ في السجن بضع سنين، ولهذا قال بعد هذا ﴿وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ [يوسف: ٤٥] أي: مدة. وقُرئ ﴿بعد أُمَّة﴾ أي: نسيان. وهذا الذي قلنا من أن الناسي هو الساقي هو الصواب من القولين، كما قرَّرناه في التفسير (٤)، واللَّه أعلم.

وقال الإمام أحمد (٥): حدَّثنا محمد بن جعفر، حدَّثنا شعبة، عن عاصم، سمعتُ أبا تميمة يُحدِّث عن رديف رسول اللَّه ، قال: عثرَ بالنبيِّ حمارُه، فقلت: تَعِسَ الشَّيطانُ، فقال النبيُّ : "لا تقلْ: تَعِسَ الشيطانُ، فإنَّك إذا قلتَ: تَعِسَ الشيطانُ تعاظَمَ، وقال: بقوَّتي صرعتُه. وإذا قلتَ: بسم اللَّه، تصاغرَ حتى يصيرَ مثلَ الذباب".

انفرد به أحمد، وهو إسناد جيد.

وقال أحمد (٦): حدَّثنا أبو بكر الحنفي، حدَّثنا الضحَّاك بن عثمان، عن سعيد المَقْبُريّ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه : "إن أحدَكم إذا كان في المسجد جاءه الشيطانُ فأبَسَ به كما يَأْبِسُ


(١) أخرجه مسلم في صحيحه (٢١٧٤) في السلام ولم يخرجه البخاري عن أنس، لكن أخرجه في كتاب الأدب المفرد (١٢٨٨).
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه (٦٢١٩) في الأدب ومسلم (٢١٧٥) في السلام.
(٣) في المسند (٤٣٠) وفي إسناده زياد النميري، ضعيف.
(٤) انظر تفسير ابن كثير (٢/ ٥٩١).
(٥) في المسند (٥/ ٥٩).
(٦) في المسند (٢/ ٣٣٠).