للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الزهريّ: فما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم منه، إنما كان القتال حيث التقى الناس، فلمّا كانت الهدنة، ووضعت الحرب أوزارها، وأمن الناس كلّهم بعضهم بعضًا، والتقوا فتفاوضوا في الحديث والمنازعة، فلم يكلَّم أحد في الإسلام - يعقل شيئًا - إلا دخل فيه، ولقد دخل في تينك السنتين مثل من كان دخل في الإسلام قبل ذلك أو أكثر. قال ابن هشام: والدليل على ما قاله الزّهريّ أن رسول اللّه خرج إلى الحديبية في ألف وأربعمائة رجل في قول جابر، ثم خرج [عام فتح مكة] بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف.

وقال البخاريّ (١): ثنا يوسف بن عيسى، ثنا ابن فضيل، ثنا حصين، عن سالم، عن جابر، قال: عطش الناس يوم الحديبية، ورسول اللّه بين يديه ركوة، فتوضَّأ منها، ثم أقبل الناس نحوه، فقال رسول اللّه : "ما لكم؟ "قالوا: يا رسول اللّه، ليس عندنا ماء نتوضّأ به ولا [ما] نشرب إلّا ما في ركوتك. قال: فوضع النَّبِيّ يده في الرّكوة، فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون. قال: فشربنا وتوضّأنا. فقلنا لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال: [لو] كنا مئة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مئة.

وقد رواه البخاريّ أيضًا، ومسلم (٢) من طُرق، عن حُصَين، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر، به.

وقال البخاريّ (٣): ثنا الصّلت بن محمد، ثنا يزيد بن زُرَيْع، عن سعيد، عن قتادة، قلت لسعيد بن المسيّب: بلغني أن جابر بن عبد اللّه كان يقول: كانوا أربع عشرة مئة. فقال لي سعيد: حدّثني جابر: كانوا خمس عشرة مئة، الذين بايعوا النَّبِيّ يوم الحُديبية. تابعه أبو داود (٤): حَدَّثَنَا قُرّة، عن قتادة. تفرّد به البخاريّ.

ثم قال البخاريّ (٥): ثنا عليّ بن عبد اللّه، ثنا سفيان، قال عمرو: سمعت جابرًا، قال: قال لنا رسول اللّه يوم الحديبية: "أنتم خير أهل الأرض". وكنا ألفًا وأربعمئة، ولو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة.

وقد رواه البخاريّ أيضًا، ومسلم (٦) من طُرق، عن سُفيان بن عُيينة به.


(١) رواه البخاري رقم (٤١٥٢).
(٢) رواه البخاري رقم (٣٥٧٦)، ومسلم رقم (١٨٥٦) (٧٣).
(٣) رواه البخاري رقم (٤١٥٣).
(٤) يعني (الطَّيَالسي) صاحب "المسند" واسمه (سُلَيمان بن داود البصري الطّيَالسي) المتوفى سنة (٢٠٤) هـ، وكان يسرد من حفظه ثلاثين ألف حديث، . انظر "شذرات الذهب" لابن العماد الحنبلي (٣/ ٢٥) بتحقيقي.
(٥) رواه البخاري رقم (٤١٥٤).
(٦) رواه البخاري رقم (٤٨٤٠)، و"مسلم" رقم (١٨٥٦) (٧١).