للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهكذا رواه اللَّيث بن سعد، عن أبي الزُّبير، عن جابر، أن عبدًا لحاطب جاء يشكوه فقال: يا رسول اللّه، ليدخلنّ حاطب النار. فقال رسول اللّه : "كذبت، لا يدخلها؛ فإنه شهد بدرًا والحديبية". رواه مسلم (١).

وعند مسلم (٢) أيضًا من طرق [عن] ابن جُريج، أخبرني أبو الزّبير، أنه سمع جابرًا يقول: أخبرتني أمّ مبشّر (٣) أنها سمعت رسول اللّه يقول عند حفصة: "لا يدخل أحدٌ النَّار، إن شاء الله، من أصحاب الشجرة، الذين بايعوا تحتها. فقالت حَفْصَةُ: بلى يا رسول الله، فانتهرها، فقالت حَفْصَةُ: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ [مريم: ٧١]، فقال رسول اللّه : "قد قال اللّه تعالى: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾ [مريم: ٧٢] ".

قال البخاريّ (٤): وقال عبيد اللّه بن معاذ: ثنا أبي، ثنا شعبة، عن عمرو بن مُرَّة، حدّثني عبد اللّه بن أبي أوفى قال: كان أصحاب الشجرة ألفًا وثلاثمئة، وكانت أَسْلَم ثُمُن المهاجرين. تابعه محمد بن بشار، حَدَّثَنَا أبو داود، حَدَّثَنَا شعبة. هكذا رواه البخاريّ معلّقًا، عن عبيد اللّه.

وقد رواه مسلم (٥)، عن عُبيد اللّه بن معاذ، عن أبيه، عن شُعبة، وعن محمد بن المثنى، عن أبي داود، عن إسحاق بن إبراهيم، عن النّضر بن شُمَيل، كلاهما عن شُعبة، به.

ثم قال البخاريّ (٦): ثنا عليّ بن عبد اللّه، ثنا سفيان، عن الزّهريّ، عن عُرْوَة، عن مروان والمِسْوَر بن مخرمة قالا: خرج النّبيّ عام الحُديبية في بضع عشرة مئة من أصحابه، فلمّا كان بذي الحُليفة قلّد الهديَ، وأشعر، وأحرم منها. تفرّد به البخاريّ، وسيأتي هذا السياق بتمامه.

والمقصود أن هذه الروايات كلّها مخالفة لما ذهب إليه ابن إسحاق؛ من أن أصحاب الحديبية كانوا سبعمئة، وهو - واللّه أعلم - إنما قال ذلك تفقّها من تلقاء نفسه؛ من حيث إنّ البدن كنّ سبعين بدنةً، وكل منها عن عشرة، على اختياره، فيكون المهلّون سبعمئة، ولا يلزم أن يهدي كلّهم، ولا أن يحرم كلّهم أيضًا؛ فقد ثبت أن رسول الله بعث طائفة منهم، فيهم أبو قتادة، ولم يُحْرِم أبو قتادة حتى قتل ذلك الحِمَار الوحشيّ، فَأكل منه هو وأصحابه، وحملوا منه إلى رسول الله في أثناء الطريق، فقال: "أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها، أو أشار إليها؟ "قالوا: لا. قال: "فكلوا ما بقي من لَحْمِهَا".


(١) رواه مسلم رقم (٢٤٩٦) (١٦٣).
(٢) رواه مسلم رقم (٢٤٩٦) (١٦٣).
(٣) هي أم مُبَشِّر بنت البراء بن معرور الأنصارية، وهي امرأة زيد بن حارثة، وكانت من كبيرات الصحابيات. انظر "جامع الأصول" (١٥/ ٣٧٥).
(٤) رواه البخاري رقم (٤١٥٥) تعليقًا.
(٥) رواه مسلم رقم (١٨٥٧) (٧٥).
(٦) رواه البخاري رقم (٤١٥٧) و (٤١٥٨).