للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وألقيَن (١) سكينة علينا … إنا إذا صيح بنا أَبَيْنَا

وبالصّياح عوّلوا علينا

فقال رسولُ الله : "من هذا السَّائق؟ " قالوا: عامر بن الأكوع. قال: "يرحمه الله". فقال رجل من القوم: وجبت يا نبيّ الله، لولا أمتعتنا به. فأتينا خيبر فحاصرناهم حتى أصابتنا مَخْمَصَةٌ شديدة، ثم إن الله فتحها عليهم، فلمَّا أمسى الناس مساء اليوم الذي فتحت عليهم، أوقدوا نيرانًا كثيرة، فقال رسول الله : "ما هذه النّيران؟ على أَيِّ شيء تُوقدون؟ " قالوا: على لحم. قال: "على أيِّ لحم؟ " قالوا: لحم الحمر الإنسيّة. قال النَّبِيّ أهريقُوها واكسروها". فقال رجل: يا رسول الله، أو نهريقها ونغسلها؟ فقال: "أو ذاك. فلمّا تصافّ الناس كان سيف عامر قصيرًا، فتناول به ساق يهوديّ ليضربه، فيرجع ذباب سيفه، فأصاب عين ركبة عامرٍ فمات منه، فلمَّا قفلوا قال سلمة: رآني رسول الله وهو آخذ بيدي، قال: "ما لك؟ " قلت: فداك أبي وأُمّي، زعموا أن عامرًا حبط عمله. قال النَّبِيّ : "كذب من قاله، إنّ له لأجرين" - وجمع بين إصبعيه - "إنّه لجاهِد مُجَاهِدٌ، قلّ عربيّ مشى بها مثله".

ورواه مسلم (٢) من حديث حاتم بن إسماعيل، وغيره، عن يزيد بن أبي عُبيد، عن سلمة، به نحوه. ويروى: "نشأ بها مثله".

قال السّهيليّ (٣): ويروى: "قلّ عربيّ مشابهًا مثله". ويكون منصوبًا على الحالية من نكرة، وهو سائغ؛ إذا دلّت على تصحيح معنى، كما جاء في الحديث: فصلَّى وراءه رجال قيامًا.

وقد روى ابن إسحاق (٤) قصة عامر بن الأكوع من وجه آخر فقال: حدّثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التّيميّ، عن أبي الهيثم بن نصر بن دهر الأسلميّ أن أباه حدّثه أنّه سمع رسول الله يقول في مسيره إلى خيبر لعامر بن الأكوع، وهو عمّ سلمة بن عمرو بن الأكوع: "انزل يا بن الأكوع، فخذ لنا من هَناتك". قال: فنزل يرتجز لرسول الله فقال: [من الرجز]

والله لَولا الله مَا أهْتَدَيْنَا … ولا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّينَا

إنَّا إذا قَومٌ بَغوا علينا … وإن أرادوا فتنةً أبَينَا

فَأَنْزِلَنْ سَكِيْنَةً علينا … وثبْت الأَقْدَامَ إنْ لاقَيْنَا


(١) في "زاد المعاد" (٣/ ٢٨٢): "وأنزلن".
(٢) في "صحيحه" رقم (١٨٠٢) (١٢٣) و (١٨٠٢) الذي بعد (١٩٣٩).
(٣) انظر "الروض الأنف" (٦/ ٥٧٤).
(٤) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٣٢٨ - ٣٢٩).