للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد اعتنى البخاريّ بهذا الفصل؛ فأورد النهي عنها من طرق جيدة، وتحريمُها مذهب جمهور العلماء سلفًا وخلفًا، وهو مذهب الأئمة الأربعة. وقد ذهب بعض السَّلف - منهم ابن عَبَّاس - إلى إباحتها، وتنوَّعت أجوبتهم عن الأحاديث الواردة في النهي عنها، فقيل: [لأنها كانت ظَهرًا يستعينون بها في الحمولة. وقيل: لأنها لم تكن خُمّست بعد. وقيل]: لأنها كانت تأكل العَذِرة، يعني جلَّالة.

والصحيح أنه نُهي عنها لذاتها؛ فإن في [الأثر] الصحيح (١) أنه نادى [منادي] رسول اللّه : إنَّ الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر؛ فإنها رجس. فأكفؤُوها والقدور تفور بها (٢)، وموضع تقرير ذلك في كتاب "الأحكام".

قال ابن إسحاق (٣): حدّثني سلَّام بن كِرْكِرَة، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله - ولم يشهد جابر خيبر - أن رسول الله حين نهى الناس عن أكل لحوم الحمر أذن لهم في لحوم الخيل. وهذا الحديث أصله ثابت في "الصحيحين" (٤) من حديث حفاد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن محمد بن علي، عن جابر، ، قال: نهى رسول اللّه يوم خيبر عن لحوم الحمر، ورخص في الخيل. لفظ البخاريّ.

قال ابن إسحاق (٥): وحَدَّثَنَا عبد الله بن أبي نجيح، عن مكحول أن النَّبِيّ نهاهم يومئذ عن أربع؛ عن إتيان الحَبالى من النساء، وعن أكل الحمار الأهلي، وعن أكل كل ذي ناب من السِّباع، وعن بيع المغانم حتى تقسم. وهذا مرسل.

وقال ابن إسحاق: وحَدَّثَنِي يزيد بن أبي حبيب، عن أبي مرزوق مولى تُجيب، عن حنش الصّنعانيّ قال: غزونا مع رويفع بن ثابت الأنصاريّ المغرب، فافتتح قرية من قرى المغرب يقال لها: جَرْبة. فقام فينا خطيبًا فقال: أيها الناس، إني لا أقول فيكم إلا ما سمعت من رسول الله يقول فينا يوم خيبر؛ قام فينا رسول الله فقال: "لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر [أن يسقي ماءَه زرع غيره" يعني إتيان


(١) رواه أحمد في "مسنده" (٣/ ١١)، ومسلم في "صحيحه" رقم (١٩٤٠) من حديث أنس.
(٢) قال الإمام ابن القيم في "زاد المعاد" (٣/ ٣٠٣): "وهذا مقدم على قول من قال من الصحابة: إنما حرَّمها، لأنها كانت ظهرَ القوم وحمولتهم، فلما قيل له: فنيَ الظهرُ وأُكلت الحُمر، حَرَّمها، وعلى قول من قال: إنما حرَّمها، لأنها لم تخمس، وعلى قول من قال: إنما حرمها لأنها كانت حول القرية، وكانت تأكل العَذرة، وكل هذا في "الصحيح" لكن قول رسول الله: "إنَّها رجسٌ" مقدم على هذا كله، لأنه من ظنِّ الراوي، وقوله بخلاف التعليل بكونها رجسًا".
(٣) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٣٣١).
(٤) رواه البخاري رقم (٤٢١٩) و (٥٥٢٤) ومسلم رقم (١٩٤١) (٣٦).
(٥) انظر "السيرة النبوية" (٢/ ٣٣١).