للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البرصاء اللَّيثيُّ، فأخذناه فقال: إني إنما جئت لأسلم. فقال له غالب بن عبد الله: إن كنت إنما جئت لِتُسلم، فلا يضرُّك رباط يوم وليلة، وإن كنت على غير ذلك استوثقنا [منك]. قال: فأوثقه رباطًا وخلَّف عليه رويجلًا أسود كان معنا، وقال: امكث معه حتى نمرَّ عليك، فإن نازعك فاحتزَّ رأسه. ومضينا حتى أتينا بطن الكَديد، فنزلنا عشيَّة بعد العصر، فبعثني أصحابي إليه، فعمدت إلى تلٍّ يطلعني على الحاضر فانبطحت عليه، وذلك قبل غروب الشمس، فخرج رجل منهم، فنظر فرآني منبطحًا على التَّلِّ، فقال لامرأته: إني لأرى سوادًا على هذا التَّلِّ ما رأيته في أول النَّهار، فانظري لا تكون الكلاب اجترَّت بعض أوعيتِك؟ فنظرت فقالت: والله ما أفقد منها شيئًا. قال: فناوليني قوسي وسهمين من نبلي. فناولته، فرماني بسهم في جبيني - أو قال: في جنبي - فنزعته فوضعته ولم أتحرَّك، ثم رماني بالآخر فوضعه في رأس منكبي، فنزعته فوضعته ولم أتحرَّك. فقال لامرأته: أما والله لقد خالطه سَهْمَايَ، ولو كان ربيئةً (١) لتحرَّك، فإذا أصبحتِ فابتغي سهميَّ فخذيهما، لا تمضغهما عليَّ الكلاب.

قال: فأمهلنا، حتى إذا راحت روايحهم، وحتى احتلبوا وعطَّنوا وسكنوا، وذهبت عتَمة من الليل، شننَّا عليهم الغارة فقتلنا واستقنا النَّعم، ووجَّهنا قافلين به، وخرج صريخ القوم إلى قومهم بقربنا. قال: وخرجنا سراعًا حتى نمرَّ بالحارث بن مالك بن البَرْصَاء وصاحبه، فانطلقنا به معنا، وأتانا صريخ الناس، فجاءنا ما لا قِبل لنا به، حتى إذا لم يكن بيننا وبينهم إلا بطن الوادي من قُدَيْدٍ، بعث الله من حيث شاء ماءً، ما رأينا قبل ذلك مطرًا ولا حالًا، وجاء بما لا يقدر أحد أن يُقدِم عليه، فلقد رأيتهم وقوفًا ينظرون إلينا، ما يقدر أحد منهم أن يقدم عليه، ونحن نجدُّ بها أو نحدوها - شكَّ النُّفَيليُّ - فذهبنا سراعًا حتى أسندنا بها في المسلك، ثم حدرنا عنه حتى أعجزنا القوم بما في أيدينا.

وقد رواه أبو داود (٢) من حديث محمد بن إسحاق، فقال في روايته: عبد الله بن غالب. والصواب غالب بن عبد الله كما تقدَّم.

وذكر الواقديُّ (٣) هذه القصة بإسناد آخر، وقال فيه: وكان معه من الصحابة مئة وثلاثون رجلًا.

ثم ذكر البيهقيُّ (٤) من طريق الواقديِّ سرية بَشير بن سعد أيضًا إلى ناحية خيبر، فلقوا جمعًا من العرب، وغنموا نعمًا كثيرًا، وكان بعثه في هذه السَّرِيَّة بإشارة أبي بكر وعُمَرَ، ، وكان


(١) الرَّبيئة: طليعة القوم الذي ينظر لئلا يدهم العدو. "لسان العرب" (ربأ).
(٢) في "سننه" رقم (٢٦٧٨)، وإسناده ضعيف.
(٣) انظر "المغازي" (٢/ ٧٢٦).
(٤) في "دلائل النبوة" (٤/ ٣٠١).