للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القصواء، [والمسلمون حوله، ثم دخل من الثَّنيَّة التي تطلعه على الحَجون على راحلته القصواء] وابن رواحة آخذ بزمامها، وهو يرتجز بشعره ويقول (١): [من الرجز]

خلُّوا بني الكُفَّار عن سبيله

إلى آخره.

وفي "الصحيحين" (٢) من حديث ابن عباس قال: قدم رسول الله وأصحابه صبيحة رابعة - يعني من ذي القعدة سنة سبع - فقال المشركون: إنه يقدَم عليكم وفد قد وهَنتهم حمَّى يثرب. فأمر رسول الله أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا ما بين الرُّكنين، ولم يمنعه أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم.

وقال الإمام أحمد (٣): حدَّثنا محمد بن الصَّبَّاح، ثنا إسماعيل، يعني ابن زكريا، عن عبد الله بن عثمان، عن أبي الطُّفيل، عن ابن عباس أن رسول الله لما نزل مرَّ الظَّهران في عمرته، بلغ أصحاب رسول الله أن قريشًا تقول: ما يتباعثون من العجف. فقال أصحابه: لو انتحرنا من ظهرنا، فأكلنا من لحمه، وحسونا من مرقه، أصبحنا غدًا حين ندخل على القوم وبنا جَمامة. فقال: "لا تفعلوا، ولكن اجمعوا لي من أزوادكم". فجمعوا له، وبسطوا الأنطاع، فأكلوا حتى تركوا، وحثا كلُّ واحد منهم في جرابه، ثم أقبل رسول الله حتى دخل المسجد، وقعدت قريش نحو الحِجر، فاضطبع بردائه ثم قال: "لا يرى القوم فيكم غَميزة". فاستلم الرُّكن ثم رمل، حتى إذا تغيَّب بالركن اليمانيِّ مشى إلى الركن الأسود، فقالت قريش: ما يرضَون بالمشي، أما إنهم لينقزون نقز الظِّباء. ففعل ذلك ثلاثة أطواف، فكانت سُنَّة. قال أبو الطُّفيل: وأخبرني ابن عباس أن رسول الله فعل ذلك في حجَّة الوداع. تفرَّد به أحمد من هذا الوجه.

قال أبو داود (٤): ثنا أبو سلمة موسى، ثنا حمَّاد - يعني ابن سلمة - أنبأنا أبو عاصم الغنويُّ، عن أبي الطُّفيل قال: قلت لابن عباس: يزعم قومك أن رسول الله قد رمل بالبيت، وأن ذلك سُنَّة. فقال: صدقوا وكذبوا. قلت: ما صدقوا وما كذبوا؟ قال: صدقوا؛ رمل رسول الله ، وكذبوا؛ ليس بسُنة، إنَّ قريشًا قالت زمن الحديبية: دعوا محمدًا وأصحابه حتى يموتوا موت النَّغف. فلمَّا صالحوه على أن يجيئوا من العام المقبل فيقيموا بمكة ثلاثة أيام، فقدم رسول الله والمشركون من قِبل


(١) انظر "ديوانه" ص (١٤٤).
(٢) رواه البخاري رقم (٤٢٥٦) ومسلم رقم (١٢٦٦).
(٣) رواه أحمد في "المسند" (١/ ٣٠٥)، وإسناده حسن.
(٤) في "سننه" رقم (١٨٨٥)، وهو حديث صحيح.