للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قعيقعان، فقال رسول الله لأصحابه: "ارملوا بالبيت ثلاثًا". قال: وليس بسُنة.

وقد رواه مسلم (١) من حديث سعيد الجُريريِّ، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، وعبد الملك بن سعيد بن أبجر، ثلاثتهم عن أبي الطُّفيل عامر بن واثلة، عن ابن عباس، به نحوه.

وكونُ الرَّمَل في الطَّواف سُنة مذهب الجمهور، فإن رسول الله رمل في عمرة القضاء، وفي عمرة الجعرانة أيضًا، كما رواه أبو داود وابن ماجه، من حديث عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن أبي الطُّفيل، عن ابن عباس، فذكره (٢). وثبت في حديث جابر عند مسلم وغيره، أنه رمل في حجة الوداع في الطواف (٣). ولهذا قال عمر بن الخطاب: فيم الرَّملان وقد أطَّأ (٤) الله الإسلام؟ ومع هذا لا نترك شيئًا فعله رسول الله (٥) وموضع تقرير هذا كتاب "الأحكام".

وكان ابن عباس في المشهور عنه لا يرى ذلك سُنة، كما ثبت في "الصحيحين" (٦) من حديث سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس قال: إنما سعى النبيُّ بالبيت وبين الصّفا والمروة؛ ليُريَ المشركين قوَّته، لفظ البخاريِّ.

وقال الواقديُّ (٧): لما قضى رسول الله نسكه في القضاء، دخل البيت، فلم يزل فيه حتى أذَّن بلال الظهر فوق ظهر الكعبة، وكان رسول الله أمره بذلك، فقال عكرمة بن أبي جهل: لقد أكرم الله أبا الحكم حيث لم يسمع هذا العبد يقول ما يقول. وقال صفوان بن أمية: الحمد لله الذي أذهب أبي قبل أن يرى هذا. وقال خالد بن أسيد: الحمد لله الذي أمات أبي ولم يشهد هذا اليوم، حين يقوم بلال بن أمِّ بلال ينهق فوق الكعبة. وأما سهيل بن عمرو ورجال معه، لمَّا سمعوا بذلك غَطَّوا وجوههم.

قال الحافظ البيهقيُّ (٨): قد أكرم الله أكثرهم بالإسلام.

قلت: كذا ذكره البيهقيُّ (٩) من طريق الواقديِّ؛ أن هذا كان في عُمْرَة القَضَاء. والمشهور أن ذلك كان في عام الفتح، والله أعلم.


(١) في "صحيحه" رقم (١٢٦٤) و (١٢٦٥).
(٢) رواه أبو داود رقم (١٨٩٠) وابن ماجه (٢٩٥٣) وهو حديث صحيح.
(٣) رواه مسلم رقم (١٢١٨).
(٤) أي: ثبَّت.
(٥) رواه أحمد في "المسند" وأبو داود (١٨٨٧) وابن ماجه (١٩٥٢) وهو حديث صحيح.
(٦) رواه البخاري رقم (١٦٤٩) و (٤٢٥٧) ومسلم رقم (١٢٦٦) (٢٤١).
(٧) انظر "المغازي" (٢/ ٧٣٧).
(٨) انظر "دلائل النبوة" (٤/ ٣٢٩).
(٩) في "دلائل النبوة" (٤/ ٣٢٩).