للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الناس، فحمد الله وأثنى عليه وقال: إنَّ إخوانكم لقوا العدوَّ، وإنَّ زيدًا أخذ الراية فقاتل حتى قتل أو استشهد، ثم أخذ الراية بعده جعفر بن أبي طالب فقاتل حتى قتل أو استشهد، ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل أو استشهد، ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله؛ خالد بن الوليد، ففتح الله عليه". قال: ثم أمهل آل جعفر ثلاثًا أن يأتيهم، ثم أتاهم فقال: "لا تبكوا على أخي بعد اليوم، ادعوا لي بني أخي". قال: فجيء بنا كأننا أفرخ، فقال: "ادعوا لي الحلاق". فجيء بالحلاق، فحلق رؤوسنا، ثم قال: "أما محمد فشبيه عمِّنا أبي طالب، وأمَّا عبد الله فشبيه خَلقي وخُلقي". ثم أخذ بيدي فأشالها وقال: "اللهم اخلف جعفرًا في أهله، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه". قالها ثلاث مرات. قال: فجاءت أُمُّنا فذكرت له يتمنا، وجعلت تفرح له، فقال: "العيلة تخافين عليهم وأنا وليُّهم في الدنيا والآخرة؟! " ورواه أبو داود ببعضه، والنسائيُّ في السِّير بتمامه من حديث وهب بن جرير، به (١). وهذا يقتضي أنه، ، أرخص لهم في البكاء ثلاثة أيام، ثم نهاهم عنه بعدها.

ولعلَّه معنى الحديث الذي رواه الإمام أحمد (٢)، من حديث الحكم، عن عبد الله بن شداد، عن أسماء، أنَّ رسول الله قال لها لمَّا أصيب جعفر: "تسلَّبي ثلاثًا ثم اصنعي ما شئت". تفرد به أحمد. فيحتمل أنه أذن لها في التسلُّب، وهو المبالغة في البكاء وشق الثياب، ويكون هذا من باب التخصيص لها بهذا؛ لشدَّة حزنها على جعفرٍ أبي أولادها، وقد يحتمل أن يكون أمرًا لها بالتسلُّب، وهو المبالغة في الإحداد ثلاثة أيام، ثم تصنع بعد ذلك ما شاءت؛ مما يفعله المعتدات على أزواجهنَّ، من الإحداد المعتاد، والله أعلم.

ويُروى: "تسلَّي ثلاثًا" أي: تصبَّري، ثلاثًا، وهذا بخلاف الرِّواية الأخرى، والله أعلم.

فأما الحديث الذي قال الإمام أحمد (٣): ثنا يزيد، ثنا محمد بن طلحة، ثنا الحَكَم بن عُتيبة، عن عبد الله بن شدَّاد، عن أسماء بنت عُميس قالت: دخل عليَّ رسول الله اليوم الثالث من قتل جعفر فقال: "لا تُحِدِّي بعد يومك هذا" فإنه من أفراد أحمد أيضًا، وإسناده لا بأس به (٤)، ولكنَّه مشكل إن حمل على ظاهره؛ لأنَّه قد ثبت في "الصحيحين" (٥) أن رسول الله قال: "لا يَحِلّ لامرأة تُؤمن بالله واليوم الآخر أن تُحدَّ على ميتها أكثر من ثلاثة أيام، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا"، فإن كان ما رواه الإمام أحمد


(١) رواه أبو داود رقم (٤١٩٢) والنسائي في "السنن الكبرى" رقم (٨٦٠٤) وهو حديث صحيح.
(٢) في "المسند" (٦/ ٤٣٨)، وهو حديث ضعيف.
(٣) في "المسند" (٦/ ٣٦٩).
(٤) قال الإمام أحمد: إنه مخالف للأحاديث الصحيحة في الإحداد.
قال الحافظ ابن حجر: وهو مصير منه إلى أن يُعِلَّه بالشذوذ. انظر "فتح الباري" رقم (٥٣٣٤).
(٥) رواه البخاري رقم (١٢٨٠) ومسلم رقم (١٤٨٦).