للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في فَيْلَقٍ كالبحر يجري مُزبدا … إن قريشًا أخلفوك الموعدَا

ونقضوا ميثاقَكَ المؤكَّدا … وجعلوا لي في كَداءٍ رُصَّدا

وزعموا أن لستُ أدعو أحدا … فهم أَذَلُّ وأقل عددا

هم بيّتونا بالوتير هُجَّدا … وقتَّلونا رُكَّعًا وسُجَّدا

فقال رسول الله: "نصرت يا عمرو بن سالم". فما برح رسول الله حتى مرَّت بنا عَنَانَةُ (١) في السماء، فقال رسول الله :"إن هذه السَّحَابَة لَتَسْتَهِلُّ بنصر بني كعب". وأمر رسول الله الناس بالجهاز، وكتمهم مخرجه، وسأل الله أن يُعَمِّي على قريش خبره، حتى يبغتهم في بلادهم.

قال ابن إسحاق (٢): وكان السبب الذي هاجهم، أنَّ رجلًا من بني الحضرميِّ، اسمه مالك بن عبَّاد، من خلفاء الأسود بن رزن خرج تاجرًا، فلمَّا توسط أرض خُزَاعَة، عدوا عليه، فقتلوه وأخذوا ماله، فعدت بنو بكر على رجل من بني خُزَاعَة فقتلوه، فعدت خُزَاعة قبيل الإسلام على بني الأسود بن رزن الدُّئِليّ - وهم منخر بني كنانة وأشرافهم؛ سلمى وكلثوم وذؤيب - فقتلوهم بعرفة عند أنصاب الحرم.

قال ابن إسحاق (٣): وحدثني رجل من الدُّئِل قال: كان بنو الأسود بن رزن يودَون في الجاهلية ديتين ديتين.

قال ابن إسحاق (٤): فبينا بنو بكر وخُزَاعَة على ذلك، إذ حجز بينهم الإسلام، فلمَّا كان يوم الحُديبية، ودخل بنو بكر في عقد قريش، ودخلت خُزَاعَةُ في عقد رسول الله ، وكانت الهُدْنة، اغتنمها بنو الدُّئل من بني بكر، وأرادوا أن يصيبوا من خزاعة ثأرًا بأولئك النفر، فخرج نوفل بن معاوية الدُّئليُّ في قومه، وهو يومئذٍ سيدُهم وقائدهم، وليس كلُّ بني بكر تابعة، فبيَّت خزاعة وهم على الوتير - ماءٍ لهم - فأصابوا رجلًا منهم، وتحاوزوا واقتتلوا، ورفدت قريش بني بكر بالسلاح، وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفيًا، حتى حازوا خزاعة إلى الحرم، فلمَّا انتهوا إليه، قالت بنو بكر: [يا نوفل] إنا قد دخلنا الحرم! إلهك إلهك. فقال كلمةً عظيمةً: لا إله اليوم، يا بنى بكر أصيبوا ثأركم، فلعمري إنَّكم لتشرقون في الحرم، أفلا تصيبون ثأركم فيه؟! ولجأت خزاعة إلى دار بُديل بن ورقاء بمكة، وإلى دار مولى لهم يقال له: رافعٌ.


(١) أي: سحابة.
(٢) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٣٨٩).
(٣) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٣٨٩).
(٤) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٣٩٠).