للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عدِمت بنيَّتي إن لم تروها … تثير النَّقع من كتفي كَدا (١)

ينازعن الأعنَّة مسرَجات … يلطِّمهن بالخُمُر النساء

فقال رسول الله : "ادخُلُوها مِنْ حَيْثُ قال حَسَّان".

وقال محمد بن إسحاق (٢): حدَّثني يحيى بن عَبَّاد بن عبد الله بن الزُّبير، عن أبيه، عن جدتَّه أسماء بنت أبي بكر، قالت: لمَّا وقف رسول الله بذي طوى، قال أبو قُحَافة لابنة له من أصغر ولده: أي بنيَّة، اظهري بي على أبي قُبيس. قالت: وقد كُفَّ بصره. قالت: فأشرفت به عليه، فقال: أي بنيَّة، ماذا تَرين؟ قالت: أرى سوادًا مجتمعًا. قال: تلك الخيل. قالت: وأرى رجلًا يسعى بين يدي ذلك السَّواد مقبلًا ومُدْبرًا. قال: أي بنيّة، ذلك الوازع. يعني الذي يأمر الخيل ويتقدَّم إليها. ثم قالت: قد والله انتشر السَّواد.

فقال: قد والله إذًا دفعت الخيل، فأسرعي بي إلى بيتي. فانحطَّت به، وتلقَّاه الخيل قبل أن يصل إلى بيته. قالت: وفي عنق الجارية طوق من ورِق، فتلقاها رجل فيقتطعه من عنقها. قالت: فلمَّا دخل رسول الله مكة ودخل المسجد، أتى أبو بكر بأبيه يقوده، فلمَّا رآه رسول الله قال: "هلَّا تركت الشَّيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه؟ " قال أبو بكر: يا رسول الله، هو أحقُّ أن يمشي إليك من أن تمشيَ أنت إليه. قال: فقالت: فأجلسه بين يديه، ثم مسح صدره، ثم قال: "أسلم". فأسلم. قالت: ودخل به أبو بكر، وكان رأسه كالثَّغامة بياضًا، فقال رسول الله :"غيِّروا هذا من شعره". ثم قام أبو بكر، فأخذ بيد أخته، وقال: أنشُد الله والإسلام طوق أختي. فلم يجبه أحد، قالت: فقال: أي أُخيَّة، احتسبي طوقك، فوالله إن الأمانة في الناس اليوم لقليل. يعني الصِّدِّيق ذلك اليوم على التَّعيين؛ لأن الجيش فيه كثرة، ولا يكاد أحد يلوي على أحد مع انتشار الناس، ولعل الذي أخذه تأوَّل أنَّه من حربيٍّ، والله أعلم.

وقال الحافظ البيهقيُّ (٣): ثنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العبَّاس الأصمُّ، ثنا بحر بن نصر، ثنا ابن وهب، أخبرني ابن جريج، عن أبي الزُّبير، عن جابر أن عمر بن الخطاب أخذ بيد أبي قحافة، فأتى به النبيَّ ، فلمَّا وقف به على رسول الله قال: "غيِّروه ولا تقرِّبوه سوادًا".

قال [ابن وهب]: وأخبرني عمر بن محمد، عن زيد بن أسلم، أن رسول الله هنَّا أبا بكر بإسلام أبيه.


(١) في رواية هذا البيت إقواء.
(٢) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٤٠٥).
(٣) انظر "دلائل النبوة" (٥/ ٩٦).