للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن إسحاق (١): فحدَّثني عبد الله بن أبي نجيح، أن رسول الله حين فرَّق جيشه من ذي طوى، أمر الزُّبير بن العوَّام أن يدخل في بعض الناس من كُدى، وكان الزُّبير على المجنَبة اليسرى، وأمر سعد بن عبادة أن يدخل في بعض الناس من كَداء.

قال ابن إسحاق (٢): فزعم بعض أهل العلم أن سعدًا حين وجَّه داخلًا قال: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحلُّ الحرمة. فسمعها رجل، قال ابن هشام: يقال: إنه عمر بن الخطاب، فقال: [يا رسول الله،] أتسمع ما يقول سعد بن عبادة؟! ما نأمن أن يكون له في قريش صولة. فقال رسول الله لعليٍّ: "أدركه فخذ الراية منه، فكن أنت تدخل بها".

قلت: وذى غير محمد بن إسحاق، أن رسول الله لما شكى إليه أبو سفيان قول سعد بن عبادة حين مرَّ به. وقال: يا أبا سفيان، اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحلُّ الحرمة - يعني الكعبة - فقال النبيُّ : "بل هذا يوم تعظَّم فيه الكعبة". وأمر بالراية - راية الأنصار - أن تؤخذ من سعد بن عبادة كالتأديب له، ويقال: إنها دُفعت إلى ابنه قيس بن سعد. وقال موسى بن عقبة، عن الزهريِّ: دفعها إلى الزُّبير بن العوام. فالله أعلم.

وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة يعقوب بن إسحاق بن دينار، ثنا عبد الله بن السَّريِّ الأنطاكيُّ، ثنا عبد الرحمن بن أبي الزِّناد، وحدَّثني موسى بن عقبة، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، قال: دفع رسول الله الراية يوم فتح مكة إلى سعد بن عبادة، فجعل يهزُّها ويقول: اليوم يوم الملحمة، يوم تستحلُّ الحرمة قال: فشقَّ ذلك على قريش وكبُر في نفوسهم. قال: فعارضت امرأة رسول الله في مسيره وأنشأت تقولي (٣) [من الخفيف]

يا نبيَّ الهُدى إليك لَجَا حيْـ … يُ قريش ولاتَ حينَ لَجَاءِ

حين ضاقت عليهمُ سَعَةُ الأر … ضِ وعَادَاهُمْ إلهُ السَّمَاء

[والتقت حلقتا البِطَانِ على القو … مِ ونُودُوا بالصَّيلم الصَّلعاءِ] (٤)

إن سعدًا يريد قاصِمَة الظَّهْـ … رِ بأهل الحَجُونِ والبَطْحَاءِ

خَزْرَجيٌّ لو يستطيعُ من الغَيْـ … ظِ رَمَانَا بالنَّسر والعَوَّاءِ

فَانهَيَنْهُ فإنّه الأسَدُ الأسْـ … ودُ واللّيث والغٌ في الدِّمَاءِ


(١) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٤٠٦).
(٢) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٤٠٦).
(٣) الأبيات الثاني والثالث والرابع والخامس والسابع والثامن في "الروض الأُنف" للسهيلي (٧/ ٩٩ - ١٠٠) ونسبها لضرار بن الخطّاب.
(٤) هذا البيت لم يرد في (آ) و (ط) وأثبته من "الروض الأنف" (٧/ ١٠٠).