للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال البيهقيُّ (١): أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو العباس الأصمُّ، أنبأنا أبو زُرعة الدِّمشقيُّ، ثنا الحَسَن بن بِشْر الكُوفيُّ، ثنا الحكم بن عبد الملك، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: أَمَّن رسول الله الناس يوم فتح مَكَّة إلا أربعة؛ عبد العزَّى بن خَطَل، ومِقْيَسَ بن صُبابة، وعبد الله بن سعد بن أبي سَرْح، وأُمَّ سَارَة.

فأمَّا عبد العزى بن خَطَل فإنه قُتل وهو متعلِّق بأستار الكعبة. قال: ونذر رجل من الأنصار أن يقتل عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح إذا رآه، وكان أخا عثمان بن عَفّان من الرَّضاعة، فأتى به رسولَ الله ليشفع له، فلما بُصر به الأنصاريُّ اشتمل على السَّيف، ثم أتاه فوجده في حلقة رسول الله ، فجعل يتردَّد ويكره أن يقدم عليه، فبسط النبيُّ يده فبايعه، ثم قال للأنصاريِّ: "قد انتظرتك أن توفي بنذرك". قال: يا رسول الله، هِبْتك، أفلا أَومَضْتَ إليَّ؟ قال: "إنه ليس للنبيِّ أن يُومِض".

وأما مِقْيَس بن صُبَابة، فذكر قصته في قتله رجلًا مسلمًا بعد إسلامه، ثم ارتداده بعد ذلك. قال: وأما أُمُّ سَارَة فكانت مولاة لقريش، فأتت النبيَّ فشكت إليه الحاجة فأعطاها شيئًا، ثم بعث معها رجلٌ بكتاب إلى أهل مكّة، فذكر قصة حاطب بن أبي بلتعة.

وروى محمد بن إسحاق (٢)، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حَزْم، أن مِقْيَس بن صُبابة قُتل أخوه هشام يوم بني المصطلق، قتله رجل من المسلمين وهو يظنُّه مشركًا، فقدم مِقْيَس مظهرًا للإسلام ليطلب دِيَة أخيه، فلما أخذها عدا على قاتل أخيه فقتله، ورجع إلى مَكَّة مشركًا، فلما أهدر رسول الله دمه قُتِلَ وهو بين الصَّفا والمروة.

وقد ذكر ابن إسحاق والبيهقيُّ (٣) شعره حين قتل قاتل أخيه، وهو قوله: [من الطويل]

شفى النفس من (٤) قد بات بالقاع مسندًا … يضرِّج ثوبيه دماءُ الأخادع

وكانت هموم النفس من قبل قتله … تلمُّ وتنسيني وطاء المضاجع

قتلت به فِهرًا وغرَّمت عقله … سَراة بني النَّجَّار أرباب فارع

حللت به نذري وأدركت ثؤرتي … وكنت إلى الأوثان أول راجع

[قلت:] وقيل: إن القَينتين اللّتين أُهدر دمهما كانتا لمِقْيَس بن صُبابة هذا، وإنَّ ابن عمه قتله بين الصفا والمروة.


(١) في "دلائل النبوة" (٥/ ٦٠).
(٢) وهو عند البيهقي في "دلائل النبوة" (٥/ ٦١) من طريقه.
(٣) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٢٩٣) و"دلائل النبوة" (٥/ ٦١).
(٤) في "السيرة النبوية" و "دلائل النبوة": "أن".