للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيل: علموا أن ذلك كائنٌ بما رأوا ممن كان قبل آدم من الجن والبن (١)، قاله قتادة.

وقال عبد اللَّه بن عمر، وكانت الجنُّ قبلَ آدمَ بألفيْ عامٍ، فسفكُوا الدِّماءَ، فبعثَ اللَّه إليهم جندًا من الملائكة فطردُوهم إلى جزائر البحور.

وعن ابن عباس نحوه. وعن الحسن: أُلهموا ذلك.

[وقيل: لما اطَّلعوا عليه من اللوح المحفوظ، فقيل: أطلعَهم عليه هاروتُ وماروتُ، عن مَلَكٍ فوقَهما يُقال له السِّجلُّ. رواه ابن أبي حاتم عن أبي جعفر الباقر] (٢).

وقيل: لأنهم علموا أن الأرضَ لا يُخلق منها إلا من يكون بهذه المثابة غالبًا.

﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ [البقرة: ٣٠] أي: نعبدُك دائمًا لا يعصيك منا أحد، فإن كان المرادُ بخلق هؤلاء أنْ يعبدُوك فها نحنُ لا نفترُ ليلًا ولا نهارًا.

﴿قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٣٠] أي: أعلمُ من المصلحة الراجحة في خلق هؤلاء ما لا تعلمون، أي: سيُوجد منهم الأنبياء والمرسلون والصِّدِّيقون والشهداء والصالحون.

ثم بيَّن لهم شرفَ آدمَ عليهم في العلم، فقال ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ [البقرة: ٣١] قال ابن عباس: هي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس: إنسان، ودابَّة، وأرض، وسهل، وبحر، وجبل، وجمل، وحمار، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها.

وفي رواية: علَّمه اسم: الصَّحْفة، والقدر، حتى الفَسْوة والفُسيَّة. وقال مجاهد: علَّمه اسم كلِّ دابَّةٍ وكلِّ طير، وكل شيء. وكذا قال سعيد بن جبير وقتادة وغير واحد. وقال الربيع: علَّمه أسماء الملائكة.

وقال عبد الرحمن بن زيد: علَّمه أسماءَ ذريَّته.

والصحيح: أنه علَّمه أسماءَ الذوات وأفعالها، مُكبَّرها ومُصغَّرها، كما أشار إليه ابنُ عبَّاس .

وذكر البخاريُّ هاهنا ما رواه هو ومسلم: من طريق سعيد وهشام، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن رسول اللَّه قال: "يجتمعُ المؤمنون يومَ القيامة، فيقولون: لو استشفعنا إلى ربِّنا حتى يُريحنا من مكاننا هذا، فيأتون آدمَ فيقولون: أنت أبو البشر، خلقكَ اللَّه بيده، وأسجدَ لكَ


(١) انظر تفسير عبد الرزاق (١/ ٤٢) ومرآة الزمان (١/ ٢٥).
(٢) ما بين حاصرتين أثبته من المطبوع.