للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ملائكته، وعلَّمك أسماءَ كلِّ شيء. . . . " (١) وذكرَ تمام الحديث.

﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: ٣١] قال الحسن البصري: لما أراد اللَّه خلقَ آدمَ قالتِ الملائكةُ: لا يخلقُ ربُّنا خَلْقًا إلا كنَّا أعلم منه، فابتلوا بهذه. وذلك قوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: ٣١].

وقيل: غير ذلك، كما بسطناه في "التفسير" (٢).

قالوا ﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ [البقرة: ٣٢] أي: سبحانك أن يُحيطَ أحدٌ بشيء من علمك من غير تعليمكَ، كما قال: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾ [البقرة: ٢٥٥].

﴿قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ [البقرة: ٣٣] أي: أعلم السر كما أعلم العلانية.

وقيل: إن المراد بقوله: ﴿وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ﴾ ما قالوا: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا﴾ وبقوله: ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ المراد بهذا الكلام إبليس، حين أسرَّ الكِبْرَ (٣) على آدم ، قاله سعيدُ بن جُبير ومجاهد والسُّدِّي والضَّحَّاك والثوري، واختاره ابنُ جرير (٤).

وقال أبو العالية والربيع والحسن وقتادة ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ قولهم: لن يخلقَ ربُّنا خلقًا إلا كنا أعلم منه، وأكرم عليه منه.

وقوله ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ﴾ [البقرة: ٣٤] هذا إكرامٌ عظيم من اللَّه تعالى لآدمَ، حين خلقَه بيده، ونفخَ فيه من روحه، كما قال: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ [الحجر: ٢٩] فهذه أربع تشريفات: خَلْقهُ له بيده الكريمة، ونَفْخُه فيه من روحه، وأمْرُهُ ملائكتَه بالسجود له، وتعليمُه أسماءَ الأشياء.

ولهذا قال له موسى الكليمُ حين اجتمعَ هو وإيَّاه في الملأ الأعلى وتناظرا، كما سيأتي: أنت آدم أبو البشر، الذي خلقكَ اللَّه بيده، ونفخَ فيك من رُوحه، وأسجدَ لكَ ملائكتَه، وعلَّمكَ أسماءَ كل شيء. وهكذا يقولُ أهلُ المحشر يومَ القيامة كما تقدَّم وكما سيأتي إن شاء اللَّه تعالى.

وقال في الآية الأخرى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ


(١) أخرجه البخاري في صحيحه (٧٤١٠) في التوحيد، ومسلم (١٩٣) في الإيمان.
(٢) تفسير ابن كثير (١/ ٩٥).
(٣) في تفسير الطبري (١/ ٢٥٩) وعند ابن كثير (١/ ٩٦) والاغترار.
(٤) تفسير الطبري (٥/ ٤٤١).