للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما لي أسمع رُغاء البعير، ونهاق الحمير، وبُكاء الصغير، ويُعار الشاء؟ قال: سقت مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم. قال: ولم؟ قال: أردت أن أجعل خلف كلِّ رجلٍ أهله وماله ليقاتل عنهم. قال: فأنقض به (١). ثم قال: راعي ضأنٍ والله، هل يردُّ المنهزم شيءٌ؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجلٌ بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فُضحت في أهلك ومالك. ثم قال: ما فعلت كعبٌ وكلابٌ؟ قال: لم يشهدها منهم أحدٌ. قال: غاب الحدُّ والجِدُّ، لو كان يوم غلاءً ورفعةٍ لم تغب عنه كعبٌ وكلابٌ، ولوددت أنكم فعلتم ما فعلت كعبٌ وكلابٌ، فمن شهدها منكم؟ قالوا: عمرو بن عامرٍ، وعوف بن عامرٍ. قال: ذانك الجذَعان من عامرٍ لا ينفعان ولا يضران. ثم قال: يا مالك، إنك لم تصنِع بتقديم البيضة بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئًا، ثم قال دريدٌ لمالك بن عوفٍ: ارفعهم إلى متمنع بلادهم وعليا قومهم، ثم ألق الصُّبِيَّ على متون الخيل، فإن كانت لك لحق بك من وراءك، وإن كانت عليك ألفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك، قال: والله لا أفعل، إنك قد كبرت وكبر عقلك. ثم قال مالكٌ: والله لتطيعنَّني يا معشر هوازن أو لأتَّكئنَّ على هذا السيف حتى يخرج من ظهري - وكره أن يكون لدريدٍ فيها ذِكرٌ أو رأيٌ - فقالوا: أطعناك. فقال دريدٌ: هذا يومٌ لم أشهده ولم يَفُتْني (٢): [من مجزوء الرجز]

يا ليتني فيها جَذَع … أخبُّ فيها وأضَعْ

أقود وطْفاء الزَّمع … كأنها شاةٌ صَدَعْ

ثم قال مالكٌ للناس: إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم، ثم شدُّوا شدة رجلٍ واحدٍ.

قال ابن إسحاق (٣): وحدَّثني أُمية بن عبد الله بن عمرو بن عثمان أنه حدِّث أن مالك بن عوفٍ بعث عيونًا من رجاله، فأتَوه وقد تفرَّقت أوصالهم، فقال: ويلكم، وما شأنكم؟ قالوا: رأينا رجالًا بيضًا على خيلٍ بُلقٍ، فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى. فوالله ما ردَّه ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد.

قال ابن إسحاق (٤): ولما سمع بهم نبيُّ الله بعث إليهم عبد الله بن أبي حدردٍ الأسلميَّ، وأمره أن يدخل في الناس فيقيم فيهم حتى يعلم علمهم، ثم يأتيه بخبرهم، فانطلق ابن أبي حدردٍ، فدخل فيهم


(١) أي: زجره.
(٢) البيتان في "السيرة النبوية" (٢/ ٤٣٩) و"الروض الأنف" (٧/ ١٣٦) وانظر "معجم الشعراء من تاريخ دمشق" (٣/ ٧٠).
(٣) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٤٣٩).
(٤) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٤٣٩).