للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال البخاريُّ (١): وقال اللَّيث بن سعدٍ: حدَّثني يحيى بن سعيدٍ، عن عمر بن كثير بن أفلح، عن أبي محمدٍ مولى أبي قتادة، أن أبا قتادة قال: لما كان يوم حنينٍ نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلًا من المشركين، وآخر من المشركين يختِله من ورائه ليقتُله، فأسرعت إلى الذي يختِله، فرفع يده ليضربني فأضربُ يده فقطعتها، ثم أخذني فضمَّني ضمًا شديدًا حتى تخوَّفت، ثم ترك فتحلَّل، فدفعتُه ثم قتلته، وانهزم المسلمون وانهزمت معهم، فإذا بعمر بن الخطاب في الناس، فقلت له: ما شأن الناس؟ قال: أمر الله. ثم تراجع الناس إلى رسول الله ، فقال رسول الله : "من أقام بينةً على قتيلٍ فله سلبه". فقمت لألتمس بيِّنةً على قتيلي، فلم أر أحدًا يشهد لي، فجلست، ثم بدا لي فذكرت أمره لرسول الله ، فقال رجلٌ من جلسائه: سلاح هذا القتيل الذي يَذكر عندي، فأرضه مني. فقال أبو بكرٍ: كلا، لا يعطيه أُصيبع من قريشٍ، ويدع أَسدًا من أُسد الله يقاتل عن الله ورسوله. قال: فقام رسول الله فأدَّاه إليَّ، فاشتريت به خرافًا، فكان أول مالٍ تأثَّلته. وقد رواه البخاريُّ في موضع آخر ومسلمٌ، كلاهما عن قتيبة، عن الليث بن سعدٍ به، وقد تقدم من رواية نافعٍ أبي غالبٍ، عن أنسٍ أن القائل لذلك عمر بن الخطاب، فلعله قاله متابعةً لأبي بكرٍ الصديق، ومساعدةً وموافقة له، أو قد اشتبه على الراوي، والله أعلم.

وقال الحافظ البيهقيُّ (٢): أنبأنا الحاكم، أنبأنا الأصمُّ، أنبأنا أحمد بن عبد الجَبَّار، عن يونس بن بكيرٍ، عن محمد بن إسحاق، حدَّثني عاصم بن عمر، عن عبد الرحمن بن جابرٍ، عن أبيه جابر بن عبد الله أن رسول الله قال يوم حنينٍ حين رأى من الناس ما رأى: "يا عباس، ناد: يا معشر الأنصار، يا أصحاب الشجرة". فاجابوه: لبَّيك لبَّيك. فجعل الرجل يذهب ليعطِف بعيره، فلا يقدر على ذلك فيقذف درعه في عنقه، ويأخذ سيفه وقوسه، ثم يؤمُّ الصوت حتى اجتمع إلى رسول الله منهم مئةٌ، فاستعرض الناس فاقتتلوا، وكانت الدعوة أول ما كانت بالأنصار، ثم جُعِلت آخرًا بالخزرج، وكانوا صُبُرًا عند الحرب، وأشرف رسول الله في ركائبه فنظر إلى مجتلد القوم فقال: "الآن حمي الوطيس". قال: فوالله ما رجعتْ راجعة الناس إلا والأُسارى عند رسول الله مكتَّفون، فقتل الله منهم من قتل، وانهزم منهم من انهزم، وأفاء الله على رسوله أموالهم وأبناءهم.

وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عُرْوَة، وذكر موسى بن عقبة في "مغازيه" (٣) أن رسول الله لما فتح الله عليه مكة وأقرَّ بها عينه، خرج إلى هوازن، وخرج معه أهل مكة، لم يغادر منهم أحدًا ركبانًا ومشاةً حتى خرج النساء يمشين على غير دينٍ نُظَّارًا ينظرون ويرجون الغنائم، ولا


(١) في "صحيحه" رقم (٤٣٢٢).
(٢) في "دلائل النبوة" (٥/ ١٢٩).
(٣) انظر "دلائل النبوة" (٥/ ١٢٩).