للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يكرهون مع ذلك أن تكون الصَّدمة برسول الله وأصحابه، قالوا: وكان معه أبو سفيان بن حربٍ وصفوان بن أمية، وكانت امرأته مسلمةً، وهو مشركٌ لم يفرَّق بينهما. قالوا: وكان رئيس المشركين يومئذٍ مالك بن عوفٍ النَّصريُّ، ومعه دُريد بن الصِّمَّة يرعش من الكبر، ومعه النساء والذَّراريُّ والنَّعم، فبعث رسول الله عبد الله بن أبي حدردٍ عينًا، فبات فيهم، فسمع مالك بن عوفٍ يقول لأصحابه: إذا أصبحتم فاحملوا عليهم حملة رجلٍ واحدٍ، واكسروا أغماد سيوفكم، واجعلوا مواشيَكم صفًّا ونساءكم صفًّا. فلما أصبحوا اعتزل أبو سفيان، وصفوان وحكيم بن حزامٍ وراءهم ينظرون لمن تكون الدائرة، وصفَّ الناس بعضهم لبعضٍ، وركب رسول الله بغلةً له شهباء فاستقبل الصفوف، فأمرهم وحفمهم على القتال وبشَّرهم بالفتح إن صبروا، فبينما هم كذلك حمل المشركون على المسلمين حملة رجل واحدٍ، فجال المسلمون جولةً، ثم ولَّوا مدبرين، فقال حارثة بن النعمان: لقد حزرت من بقي مع رسول الله حين أدبر الناس، فقلت: مائة رجل. قالوا: ومرَّ رجلٌ من قريشٍ بصفوان بن أمية، فقال: أبشر بهزيمة محمدٍ وأصحابه، فوالله لا يجتبرونها أبدًا. فقال له صفوان: تبشِّرني بظهور الأعراب! فوالله لربٌّ من قريشٍ أحبُّ إليَّ من ربٍّ من الأعراب. وغضب صفوان لذلك. قال موسى: وبعث صفوان غلامًا له فقال: اسمع لمن الشِّعار؟ فجاءه فقال: سمعتهم يقولون: يا بني عبد الرحمن، يا بني عبد الله، يا بني عبيد الله. فقال: ظهر محمدٌ. وكان ذلك شعارهم في الحرب. قالوا: وكان رسول الله لما غشيه القتال قام في الركابين وهو على البغلة، فرفع يديه إلى الله يدعوه يقول: "اللهم إني أَنشُدك ما وعدتني، اللهم لا ينبغي لهم أن يظهروا علينا". ونادى أصحابه وذمَّرهم: "يا أصحاب البيعة يوم الحديبية، الله الله، الكرَّة على نبيِّكم". ويقال: حرَّضهم فقال: "يا أنصار الله وأنصار رسوله، يا بني الخزرج، يا أصحاب سورة البقرة". وأمر من أصحابه من ينادي بذلك. قالوا: وقبض قُبضة من الحصباء، فحصب بها وجوه المشركين ونواحيهم كلَّها، وقال: "شاهت الوجوه". وأقلى أصحابه إليه سراعًا يبتدرون. وزعموا أن رسول الله قال: "الآن حمي الوطيس". فهزم الله أعداءه من كلِّ ناحيةٍ حصبهم منها، واتَّبعهم المسلمون يقتلونهم، وغنَّمهم الله نساءهم وذرارئهم، وفرَّ مالك بن عوفٍ حتى دخل حصن الطائف هو وأناسٌ من أشراف قومه، وأسلم عند ذلك ناسٌ كثيرٌ من أهل مكة حين رأوا نصرَ الله رسولَه وإعزازه دينه. رواه البيهقيُّ.

وقال ابن وهبٍ (١): أخبرني يونس، عن الزُّهريِّ، أخبرني كثير بن العباس بن عبد المطلب قال: قال العباس: شهدت مع رسول الله يوم حنينٍ، فلزمته أنا وأبو سفيان بن الحارث لا نفارقه، ورسول الله على بغلةٍ بيضاء أهداها له فروة بن نُفاثة الجُذاميُّ، فلمَّا التقى الناس ولَّى المسلمون


(١) انظر "دلائل النبوة" للبيهقي (٥/ ١٣٧).