للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: "أجل". ثم قال رسول الله : "قم يا بلال". فثار من تحت سَمُرةٍ كأن ظلَّه ظلُّ طائرٍ فقال: لبيك وسعديك، وأنا فداؤك. فقال: "أسرج لي فرسي". فأتاه بدَفَّتين من ليفٍ ليس فيهما أشرٌ ولا بطرٌ. قال: فركب فرسه فسرنا يومنا، فلقينا العدوَّ، وتشامت الخَيْلان، فقاتلناهم فولَّى المسلمون مدبرين كما قال الله تعالى، فجعل رسول الله يقول: "يا عباد الله، أنا عبد الله ورسوله". واقتحم رسول الله عن فرسه، وحدَّثني من كان أقرب إليه مني أنه أخذ حفنةً من التراب، فحثى بها وجوه العدوِّ وقال: "شاهت الوجوه". قال يعلى بن عطاءً: فحدَّثنا أبناؤهم عن آبائهم قالوا: ما بقي أحدٌ إلا امتلأت عيناه وفمه من التراب، وسمعنا صلصلةً من السماء، كمرِّ الحديد على الطَّست الجديد، فهزمهم الله عزو وجل.

ورواه أبو داود السِّجستانيُّ في "سننه" (١) عن موسى بن إسماعيل، عن حَمَّاد بن سَلَمة به نحوه.

وقال الإمام أحمدُ (٢): ثنا عَفَّان، ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا الحارث بن حصيرة، ثنا القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعودٍ، عن أبيه قال: قال عبدُ الله بن مسعود: كنت مع رسول الله يوم حنين فولَّى عنه الناس، وثبت معه ثمانون رجلًا من المهاجرين والأنصار، فنكصنا على أقدامنا نحوًا من ثمانين قَدمًا، ولم نولّهم الدُّبر، وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة. قال: ورسول الله على بغلته يمضي قُدُمًا، فحادت به بغلته، فمال عن السَّرج، فقلت له: ارتفع رفعك الله. فقال: "ناولني كفًّا من تراب". فضرب به وجوههم فامتلأت أعينهم ترابًا، قال: "أين المهاجرون والأنصار؟ " قلت: هم أولاء. قال: "اهتف بهم". فهتفت بهم، فجاؤوا وسيوفهم بأيمانهم كأنَّها الشُّهب، وولَّى المشركون أدبارهم. تفرَّد به أحمد.

وقال البيهقيُّ (٣): أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو الحسين محمد بن أحمد بن تميم القَنطريُّ، ثنا أبو قلابة، ثنا أبو عاصم، ثنا عبد الله بن عبد الرحمن الطَّائفيُّ، أخبرني عبد الله بن عياض بن الحارث الأنصاريُّ، عن أبيه أن رسول الله أتى هوازن في اثني عشر ألفًا، فقُتل من أهل الطائف يوم حنين مثل من قُتل يوم بدر. قال: وأخذ رسول الله كفًّا من حصىً، فرمى بها وجوهنا فانهزمنا.

ورواه البخاريُّ في "تاريخه" (٤) ولم ينسب عِيَاضًا.

وقال مسدَّدٌ: ثنا جعفر بن سليمان، ثنا عوف، ثنا عبد الرحمن مولى أمِّ بُرْثُن، عمن شهد حُنينًا


(١) رقم (٥٢٣٣)، وهو حديث حسن، كما في حديث أحمد الذي قبله.
(٢) رواه أحمد في "المسند" (١/ ٤٥٣)، وفي إسناده ضعف.
(٣) في "دلائل النبوة" (٥/ ١٤٢).
(٤) انظر "التاريخ الكبير" (٧/ ١٩).