للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد أورد البيهقيُّ (١) من طريق ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عُرْوَة أن عيينة بن حصنٍ استأذن رسول الله في أن يأتي أهل الطائف فيدعوهم إلى الإسلام، فأذن له، فجاءهم فأمرهم بالثَّبات في حصنهم، وقال: لا يهولنَّكم قطع ما قطَّع من الأشجار. في كلامٍ طويلٍ، فلما رجع قال له رسول الله : "ما قلت لهم؟ " قال: دعوتهم إلى الإسلام، وأنذرتهم النار، وذكَّرتهم بالجنة. فقال: "كذبت، بل قلت لهم كذا وكذا". فقال: صدقت يا رسول الله، أتوب إلى الله وإليك من ذلك.

وقد روى البيهقيُّ (٢) عن الحاكم، عن الأصمِّ، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكيرٍ، عن هشامٍ الدَّستوائيِّ، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن أبي نجيحٍ السُّلميِّ؛ وهو عمرو بن عبَسة، ، قال: حاصرنا مع رسول الله قصر الطائف، فسمعت رسول الله يقول: "من بلغ بسهمٍ فله درجةٌ في الجنة". فبلَّغت يومئذ ستة عشر سهمًا، وسمعتُه يقول: "من رمى بسهم في سبيل الله، فهو عَدْل محرَّرٍ، ومن شاب شيبةً في سبيل الله كانت له نورًا يوم القيامة، وأيُّما رجلٍ أعتق رجلًا مسلمًا فإن الله، ﷿، جاعلٌ كلَّ عظيم من عظامه وِقاءً، كلَّ عظم بعظمٍ، وأيُّما امرأة مسلمةٍ أعتقت امرأةً مسلمةً فإن الله، ﷿، جاعلٌ كلَّ عظمٍ من عظامها وقاء كلِّ عظمٍ من عظامها من النار".

ورواه أبو داود، والترمذيُّ وصحَّحه، والنسائيُّ (٣)، من حديث قتادة به.

وقال البخاريُّ (٤): ثنا الحميديُّ، سمع سفيان، ثنا هشامٌ، عن أبيه، عن زينب بنت أمِّ سلمة، عن أمِّ سلمة قالت: دخل عليَّ رسول الله وعندي مخنَّثٌ، فسمعته يقول لعبد الله بن أبي أمية: أرأيت إن فتح الله عليكم الطائف غدًا فعليك بابنة غيلان، فإنها تقبل بأربعٍ وتدبر بثمانٍ. فقال رسول الله : "لا يدخلنَّ هؤلاء عليكن". قال ابن عيينة: وقال ابن جريجٍ: المخنَّث هِيتٌ. وقد رواه البخاريُّ أيضًا ومسلمٌ من طرقٍ، عن هشام بن عروة، عن أبيه به (٥) وفي لفظٍ: وكانوا يرونه من غير أولي الإربة من الرجال. وفي لفظٍ: قال رسول الله : "ألا أرى هذا يعلم ما ها هنا؟! لا يدخلنَّ عليكن هؤلاء". يعني إذا كان ممن يفهم ذلك فهو داخلٌ في قوله تعالى: ﴿أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾ [النور: ٣١]. والمراد بالمخنَّث في عرف السلف الذي لا هِمَّة له إلى النساء، وليس المراد به الذي يُؤتى؛


(١) انظر "دلائل النبوة" (٥/ ١٦٣).
(٢) انظر "دلائل النبوة" (٢/ ١٥٩).
(٣) رواه أبو داود رقم (٣٩٦٥) والترمذي رقم (١٦٣٨) والنسائي رقم (٣١٤٣)، وهو حديث صحيح.
(٤) رواه البخاري رقم (٤٣٢٤).
(٥) رواه البخاري رقم (٥٢٣٥) ومسلم رقم (٢١٨٠).