للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: فقال رسول الله : "نساؤكم وأبناؤكم أَحَبُّ إليكم أم أموالكم؟ ". فقالوا: يا رسول الله، خيَّرتنا بين أحسابنا وأموالنا، بل أبناؤنا ونساؤنا أحبُّ إلينا. فقال رسول الله : "أمَّا ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، وإذا أنا صلَّيت بالناس فقوموا فقولوا: إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين وبالمسلمين إلى رسول الله في أبنائنا ونسائنا. فإني سأعطيكم عند ذلك وأسأل لكم". فلما صلَّى رسول الله بالناس الظهر، قاموا فقالوا ما أمرهم به رسول الله ، فقال رسول الله : "أمَّا ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم". فقال المهاجرون: وما كان لنا فهو لرسول الله . وقالت الأنصار: وما كان لنا فهو لرسول الله . وقال الأقرع بن حابسٍ: أمَّا أنا وبنو تميمٍ فلا. وقال عيينة: أمَّا أنا وبنو فزارة فلا. وقال العباس بن مرداسٍ السُّلميُّ: أما أنا وبنو سليمٍ فلا. فقالت بنو سُليمٍ: بل ما كان لنا فهو لرسول الله . قال: يقول عباس بن مرداسٍ لبني سُليمٍ: وهَّنتموني. فقال رسول الله : "من أمسك منكم بحقِّه فله بكلِّ إنسانٍ ستُّ فرائض من أول فيءٍ نصيبه". فردوا إلى الناس نساءهم وأبناءهم. ثم ركب رسول الله واتَّبعه الناس يقولون: يا رسول الله، اقسم علينا فيئنا. حتى اضطروه إلى شجرةٍ فانتزعت رداءه، فقال: "يا أيها الناس، ردوا عليَّ ردائي، فوالذي نفسي في يده لو كان لكم عندي عدد شجر تهامة نَعَمًا لقسمته عليكم، ثم ما ألفيتموني بخيلًا ولا جبانًا ولا كذَّابًا". ثم قام رسول الله إلى جنب بعيرٍ فأخذ من سنامه وبرةً فجعلها بين أصبعيه ثم رفعها وقال: "أيها الناس، والله ما لي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس، والخمس مردودٌ عليكم، فأدُّوا الخياط والمِخْيط، فإنَّ الغلول عارٌ وشنارٌ على أهله يوم القيامة". فجاء رجلٌ من الأنصار بكبَّةٍ من خيوط شعر فقال: يا رسول الله، أخذت هذه لأخيط بها برذعة بعيرٍ لي دَبِرٍ. فقال رسول الله : "أمَّا حقي منها فلك". فقال الرجل: أما إذا بلغ الأمر فيها إلى هذا فلا حاجة لي بها. فرمى بها من يده. وهذا السياق يقتضي أنه ردَّ إليهم سبيهم قبل القسمة، كما ذهب إليه محمد بن إسحاق بن يسارٍ، خلافًا لموسى بن عقبة وغيره.

وفي "صحيح البخاريِّ" (١) من طريق الليث، عن عقيلٍ، عن الزهريِّ، عن عروة، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أن رسول الله قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين، فسألوا أن يردَّ إليهم أموالهم ونساءهم، فقال لهم رسول الله : "معي من ترون، وأحبُّ الحديث إليَّ أصدقه، فاختاروا إحدى الطائفتين؛ إما السَّبي، وإما المال، وقد كنتُ استأنيت بكم". وكان رسول الله انتظرهم بضع عشرة ليلةً حين قفل من الطائف، فلما تبيَّن لهم أن رسول الله غير رادٍّ إليهم إلا إحدى الطائفتين، قالوا: إنا نختار سبينا. فقام رسول الله في المسلمين فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: "أما بعد، فإن إخوانكم هؤلاء قد جاؤونا تائبين، وإني قد رأيت أن أردُّ إليهم سبيهم، فمن أحبَّ منكم أن


(١) رواه البخاري رقم (٤٣١٨).