للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال: "ما سالَمْناهُنَّ منذُ حارَبْناهنَّ" (١).

وقوله في سورة طه: ﴿قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ [طه: ١٢٣] هو أمرٌ لآدم وإبليس، واستتبع آدمُ حوَّاءَ، وإبليسُ الحيَّة، وقيل: هو أمرٌ لهم بصيغة التثنية، كما في قوله تعالى: ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ﴾ [الأنبياء: ٧٨].

والصحيح أن هذا لما كان الحاكمُ لا يحكم إلا بينَ اثنين مُدَّعٍ ومُدَّعى عليه، وقال: ﴿وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ﴾ [الأنبياء: ٧٨].

وأما تكريرُه الإهباط في سورة البقرة في قوله: ﴿وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (٣٦) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: ٣٦ - ٣٩] فقال بعض المفسرين: المرادُ بالإهباط الأوَّل الهبوطُ من الجنَّة إلى السماء الدنيا، وبالثاني من السماء الدنيا إلى الأرض. وهذا ضعيفٌ، لقوله في الأول ﴿وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾ [البقرة: ٣٦] فدلَّ على أنهم أهبطوا إلى الأرض بالإهباط الأوَّل، واللَّه أعلم.

والصحيحُ أنه كرَّره لفظًا وإن كان واحدًا، وناط مع كل مرة حُكمًا، فناطَ بالأوَّل عداوتهم فيما بينهم، وبالثاني الاشتراط عليهم: أنَّ منْ تبعَ هُداه الذي يُنزِّله عليهم بعد ذلك فهو السعيد، ومن خالفه فهو الشقيّ، وهذا الأسلوب في الكلام له نظائر في القرآن الحكيم.

وروى الحافظ ابن عساكر: عن مجاهد، قال: أمرَ اللَّه مَلَكين أن يُخرجا آدمَ وحوَّاءَ من جِواره، فنزعَ جبريلُ التَّاجَ عن رأسهِ، وحلَّ ميكائيلُ الإكليلَ عن جبينه، وتعلَّق به غصنٌ، فظنَّ آدمُ أنه قد عُوجلَ بالعقوبة، فنكَّسَ رأسَه يقولُ: العفوَ العفوَ، فقال اللَّه: أفرارًا مني؟ قال: بل حياءً منك يا سيدي (٢)!

وقال الأوزاعي: عن حسان -هو ابن عطيَّة- مكثَ آدمُ في الجنَّة مئةَ عام، وفي روايةٍ ستين عامًا، وبكى على الجنَّة سبعينَ عامًا، وعلى خطيئته سبعينَ عامًا، وعلى ولده حينَ قُتِلَ أربعين عامًا (٣). رواه ابن عساكر.

وقال ابن أبي حاتم: حدَّثنا أبو زُرْعَةَ، حدَّثنا عثمان بن أبي شيبة، حدَّثنا جرير، عن سعيد، عن ابن عبَّاس قال: أُهبطَ آدمُ إلى أرض يُقالُ له دَحْنا بين مكَّة والطائف (٤).


(١) أخرجه أحمد في المسند (٢/ ٢٤٧) وأبو داود (٥٢٤٨) في الأدب.
(٢) لم أجده فيما طبع من تاريخ دمشق لابن عساكر.
(٣) لم أجده فيما طبع من تاريخ دمشق لابن عساكر.
(٤) ذكره السيوطي في الدر المنثور (١/ ١٣٥).