للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال محمد بن إسحاق (١): قدم على رسول الله وفد بني حنيفة فيهم مسيلمة بن ثُمامة بن كثير بن حبيب بن الحارث بن عبد الحارث بن هِفَّان بن ذُهْل بن الدُّوْل بن حنيفة ويكنى أبا ثمامة (٢) وقيل أبا هارون، وكان قد تسمى بالرحمان، فكان يقال له: رحمان اليمامة، وكان عمره يوم قتل مئة وخمسين سنة، وكان يعرف أبوابًا من النيرجات (٣)، فكان يدخل البيضة إلى القارورة، وهو أول من فعل ذلك، وكان يقص جناح الطير ثم يصله، ويدَّعي أن ظبية تأتيه من الجبل فيحلب منها.

قلت: وسنذكر أشياء من خبره عند ذكر مقتله، لعنه الله.

قال ابن إسحاق (٤): وكان منزلهم في دار بنت الحارث، امرأةٍ من الأنصار ثم من بني النجار، فحدّثني بعض علمائنا من أهل المدينة، أن بني حنيفة أتت به رسول الله تستره بالثياب، ورسول الله جالس في أصحابه معه عسيبٌ من سَعَف النخلِ، في رأسه خوصات (٥)، فلما انتهى إلى رسول الله وهم يسترونه بالثياب كلَّمه وسأله، فقال له رسول الله : "لو سألتني هذا العسيب ما أعطيتُكَه".

قال ابن إسحاق: وحدّثني شيخ من بني حنيفة من أهل اليمامة، أنّ حديثَه كانَ على غَيْرِ هذا. وزعم أنّ وفدَ بني حنيفة أتوا رسول الله ، وخَلّفوا مُسَيْلمة في رحالهم، فلما أسلموا ذكروا مكانه، فقالوا: يا رسول الله، إنا قد خلّفنا صاحبًا لنا في رحالنا وفي ركائبنا يحفظها لنا، قال: فأمر له رسول الله بمثل ما أمر به للقوم، وقال: "أما إنَّه ليس بشرِّكم مكانًا". أي: لحفظه ضَيْعَة أصحابه، ذلك الذي يريد رسول الله ، قال: ثم انصرفوا عن رسول الله ، وجاؤوا مسيلمة بما أعطاه رسول الله ، فلما انتهوا إلى اليمامة ارتدّ عدوّ الله، وتنبَّأ، وتكذَّب لهم، وقال: إني قد أُشركتُ في الأمر معه، وقال لوفده الذين كانوا معه: ألم يقل لكم حين ذكرتموني له: "أما إنه ليس بشرِّكم مكانًا"، ما ذاك إلا لما كان يعلم أني قد أُشركت في الأمر معه، ثم جعل يسجع لهم السجعات، ويقول لهم فيما يقول مضاهاةً للقرآن: لقد أنعم الله على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صِفَاقٍ وحشا. وأحل لهم الخمر والزنا، ووضع عنهم الصلاة، وهو مع هذا يشهد لرسول الله بأنه نُبِّئ. فأصفقت (٦) معه بنو حنيفة على ذلك.


(١) سيرة ابن هشام (٢/ ٥٧٦) وما بعد.
(٢) هكذا ورد نسبه في أ، وط، وفي جمهرة أنساب العرب (٣١٠): "مسيلمة الكذاب بن ثمامة بن كثير بن حبيب بن الحارث بن عبد الحارث بن عدي بن حنيفة".
(٣) النيرج: أخذٌ تشبه السحر، وليست بحقيقته ولا كالسحر، إنما هو تشبيه وتلبيس (اللسان: نرج).
(٤) سيرة ابن هشام (٢/ ٥٧٦).
(٥) العسيب: قضيب النخل. والسَعَف: جريد النخل وورقه وورق النخل اليابس. وخوصات: ورقات النخل (المعجم الوسيط: عسب، سعف، خوص).
(٦) أصفق القوم على كذا أو له: أطبقوا عليه واجتمعوا (المعجم الوسيط: صفق).