للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن إسحاق (١): فالله أعلم أي ذلك كان.

وذكر السهيلي (٢) وغيره أن الرَّجَّال (٣) بن عُنْفُوة -واسمه نَهارُ بن عُنْفوة- وكان قد أسلم وتعلَّم شيئًا من القرآن، وصحبَ رسولَ الله مدة، وقد مرَّ عليه رسول الله وهو جالسٌ مع أبي هريرة وفُرات بن حَيّان، فقال لهم: "أحدكم ضِرْسُه في النّار مثلُ أُحدٍ" فلم يزالا خائِفَيْن حتى ارتدّ الرّجَّال مع مَسَيْلمة، وشهد له زُورًا أنَّ رسولَ الله أشْرَكَهُ في الأمر معه، وأَلْقى إليه شيئًا مِمّا كَانَ يَحْفَظُه من القرآن، فادّعاهُ مُسَيْلِمَةُ لنفسه، فحصل بذلك فتنةٌ عظيمةٌ لبني حَنيفة. وقد قتله زيدُ بن الخَطّاب يومَ اليَمامة كما سيأتي.

قال السُّهَيْلي (٤): وكان مُؤَذِّنُ مُسَيْلِمةَ يقال له حُجَيْرٌ، وكان مُدَبِّرُ الحَرْب بين يَدَيْه مُحَكَّمَ بنَ الطُّفَيْل، وأُضيف إليهم سَجَاح، وكانَتْ تُكَنّى أُمَّ صادِر، تَزَوَّجَها مُسَيْلِمَةُ، وله معها أخبارٌ فاحِشَةٌ، واسم مُؤَذِّنِها زُهَيْرُ بن عَمْرو، وقيل جَنَبَةُ بنُ طارِقٍ، ويقال: إن شَبَثَ بن رِبْعيٍّ أذَّنَ لها أيضًا ثم أسلم، وقد أسْلَمَتْ هي أيضًا أيام عُمَرَ بن الخطاب، فحسن إسلامُها.

وقال يونُس بن بُكَيْر عن ابن إسحاق (٥): وقد كان مُسَيْلِمَةُ بن حَبيب كتب إلى رسولِ الله : من مُسَيْلَمة رسولِ اللهِ إلى محمدٍ رسولِ الله، سلامٌ عَلَيْكَ، أما بعدُ، فإني قد أُشْرِكْتُ في الأمْرِ معكَ، فإنّ لنا نِصْفَ الأمْرِ، ولقُرُيشٍ نصف الأمْرِ، ولكن قُريشًا قومٌ يَعْتدون (٦).

فقدم عليه رسولان بهذا الكتاب، فكتب إليه رسولِ الله (٧): "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله، إلى مُسَيْلَمة الكَذّاب، سلامٌ على مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى، أما بعد، فإنَّ الأرضَ لله يُورِثُها منْ يَشاءُ من عباده والعاقبة للمتقين". قال: وكان ذلك في آخر سنة عشر -يعني وُرودَ هذا الكتاب-.

قال يونس بنُ بكَيْر عن ابن إسحاق (٨): فحدّثني سَعْدُ بن طارِقٍ، عن سَلَمَةَ بن نُعَيْم بن مسعود، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله حين جَاءَهُ رَسولا مُسَيْلمةَ الكَذَّابِ بكتابه يقول لهما: "وأنتما


(١) سيرة ابن هشام (٤/ ٢٤٥).
(٢) الروض الأنف للسهيلي (٢/ ٣٤٠).
(٣) في الأصول (الرحال) تحريف. وانظر الإصابة (١/ ٥٣٩).
(٤) الروض الأنف (٢/ ٣٤٠).
(٥) دلائل النبوة للبيهقي (٥/ ٣٣١).
(٦) في ط: "لا يعتدون" وأثبتنا ما في أ وسيرة ابن هشام والطبري (٣/ ١٤٦). وانظر مجموعة الوثائق السياسية رقم (٢٠٥) ص (٢٢٧) وفيها: "نصف الأرض ولقريش نصف الأرض".
(٧) مجموعة الوثائق السياسية رقم (٢٠٦) ص (٢٢٨).
(٨) رواية يونس بن بكير عن ابن إسحاق في دلائل النبوة للبيهقي (٥/ ٣٣٢) ومنه ينقل المصنف، وهي عند الطحاوي في شرح المشكل (٢٨٦٣)، والحاكم (٣/ ٥٢)، والبيهقي في السنن (٩/ ٢١١) (بشار).