للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن إسحاق (١): ثم خرج أصحابه حين وارَوْه (٢) حتَّى قَدِموا أرضَ بني عامرٍ شاتِيْن، فلما قَدِموا أتاهم قومُهم: فقالوا: وما وراءَكَ يا أرْبَد؟ قال: لا شيءَ، واللهِ لقد دعانا إلى عبادة شيء لوددت لو أنه عندي الآن، فأَرْمِيَه بالنَّبْل حتى أقتلَه الآن، فخرج بعدَ مقالته بيوم أو يومين معه جملٌ له يبيعة (٣) فأرسل الله عليه وعلى جملِه صاعقةً فأحرقتهما.

قال ابن إسحاق (٤): وكان أربد بن قيس أخا لبيد بن ربيعة لأمّه، فقال لبيدٌ يبكي أرْبَدَ: [من المنسرح]

ما إن تُعَرِّي (٥) المَنُونُ مِنْ أَحَدِ … لا والِدٍ مُشْفِقٍ ولا وَلَدِ

أخْشَى عَلى أرْبَدَ الحُتُوفَ ولا … أرْهبُ نَوءَ السِّمَاكِ والأسَدِ (٦)

فَعيْنِ (٧) هَلَّا بَكَيْت أرْبَدَ إذْ … قُمْنَا وَقَامَ النسَاءُ في كَبَدِ

إنْ يَشْغَبُوا لا يُبَالِ شَغْبَهُمُ … أوْ يَقْصِدُوا في الحُكُومِ يَقْتَصِدِ (٨)

حُلْوٌ أريبٌ وفي حَلاوَتِهِ … مُرّ لطيف (٩) الاحْشَاءِ وَالكبِدِ

وَعَيْنِ هَلَّا بَكَيْتِ أرْبَدَ إذْ … ألوَتْ رِياحُ الشِّتَاءَ بالعَضَدِ (١٠)

وأصْبَحتْ لاقِحًا مُصَرَّمةً … حين تجلَّت (١١) غَوابِرُ المُدَدِ (١٢)

أشْجَعُ مِنْ لَيْثِ غابةٍ لَحِمٍ … ذُو نَهمةٍ في العُلا وَمُنْتَقَدِ (١٣)

لا تَبْلُغُ (١٤) العَيْنُ كُلَّ نَهْمتها … لَيْلَةَ تُمْسي الجيادُ كالقِدَدِ (١٥)


(١) سيرة ابن هشام (٢/ ٢٦٩).
(٢) في ط: (رأوه).
(٣) في السيرة: (يتبعه).
(٤) سيرة ابن هشام (٤/ ٢٣٥) وشرح ديوان لبيد (١٥٨ - ١٦٢).
(٥) تعري: يقول: لا تدعه عاريًا من المصائب (شرح الديوان ١٥٨) وفي ابن هشام: "تعدّي" أي تترك.
(٦) قال شارح الديوان: "كنت أخشى عليه كل سبب من أسباب المنية، ولم أكن أفرق عليه صاعقة".
(٧) في ديوانه (يا عين).
(٨) قال الشارح: "الشغب ها هنا: القتال. يقتصدوا: يأخذوا القصد".
(٩) ط: (لصيق) وما أثبته عن أ ويوافق ما في الديوان.
(١٠) في شرح الديوان: "ألوت: ذهبت به وطارت. العضد: الشجر اليابس ويقال المقطوع".
(١١) في الديوان: (فأصبحت … حين تقضَّتْ .. ) وفي السيرة (حتى تحلت .. ).
(١٢) يشبه الحرب بالناقة التي لقحت فشالت بذنبها. قال الشارح: "هذه الحرب قد هاجت فشالوا فيها بالرماح والسيوف كما تشول اللاقح بذنبها تري الفحل أنها حامل. الغوابر: الباقية. المدد: الغايات، واحدتها مدة".
(١٣) هذا البيت ساقط من شرح الديوان ..
(١٤) في الديوان: (لن يُبْلغ العينَ .. ).
(١٥) قال الشارح: "يقول: لا يحرص ولا يشره ولا يمنع حقًا. يقول: لم يبلغ عيني منه كل ما تريد أن تنظر إليه من سرور في هذه الليلة التي هذه حالها. وتمسي الجياد كالقدد، أي ضامرة من شدة السير والإتعاب. والقدد: السيور".