للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الساقين (١)، لَفَّاء الفَخِذَيْن، خَميصةُ الخَصْرين، ضامِرَة الكَشْحَيْن، مَصْقُولة المَتْنَيْن. قال: فلما رأيتُها أُعجبتُ بها، وقلتُ لأطلبنَّ إلى رسول الله يجعلُها في فيئي، فلما تكلمت أُنسيتُ جمالها من فصاحَتِها (٢)، فقالت: يا محمد، إن رأيتَ أن تُخلِّي عَنّا ولا تُشْمِت بنا أحياءَ العرب، فإنّي ابنةُ سيدِ قومي، وإن أبي كانَ يحمي الذِّمارَ، ويفكُّ العاني، ويُشبعُ الجائع، ويكسو العاري، ويقري الضيف، ويُطعم الطعام، ويُفشي السلام، ولم يردَّ طالب حاجةٍ قطّ، أنا ابنة حاتم طيِّئ. فقال رسول الله : "يا جاريةُ، هذه صفةُ المؤمنين حقًّا، لو كان أبوك مُسلمًا لترحّمنا عليه، خَلُّوا عنها، فإنّ أباها كان يُحبُّ مكارِمَ الأخلاق، واللهُ يحبُّ مكارمَ الأخلاق". فقام أبو بُرْدَة بن نِيَار (٣) فقال: يا رسولَ الله (٤)! الله يحبُّ مكارمَ الأخلاق؟ فقال رسول الله : "والذي نفسي بيده لا يدخل أحدٌ الجنةَ إلا بحسن الخلق".

هذا حديثٌ حسنُ المتن، غريب الإسناد جدًا، عزيز المخرج.

وقد ذكرنا ترجمة حاتم طيِّئ أيام الجاهلية، عند ذكرنا من مات من أعيان المشهورين فيها، وما كان يُسْديه حاتمٌ إلى الناس من المكارم والإحسان، إلّا أنَّ نفعَ ذلك في الآخرة مَعْذوقٌ بالإيمان (٥) وهو ممن لم يقل يومًا من الدهر: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين.

وقد زعم الواقدي (٦) أن رسول الله بعث علي بن أبي طالب في ربيع الآخر من سنة تسع إلى بلاد طيئ، فجاء معه بسبايا فيهم أختُ عديّ بن حاتم، وجاءَ معه بسيفين كانا في بيت الصَّنَم، يقال لأحدهما: "الرَّسُوب" (٧) والآخر "المِخْذَم" (٨) كان الحارث بن أبي شِمْر، قد نَذَرهما لذلك الصنم.


(١) لَعْساء: من اللعس، وهو سواد اللثة والشفة، وقيل سوادٌ يعلو شفة المرأة البيضاء، وقيل هو سواد في حمرة (اللسان: لعس).
ذَلْفاء: من الذلف، وهو قصر الأنف وصغره (اللسان: ذلف).
عَيْطاء: طويلة العنق في اعتدال (اللسان: عيط).
دَرْماء الكعبين: لا تستبين كعوبها ولا مرافقها. وكل ما غطاه اللحم والشحم وخفي حجمه فقد درم. (اللسان: درم).
خَدْلَةُ الساقين: الغليظة الساق المستديرتها. وفى مختصر ابن عساكر: "خدلَّجة الساقين" وهي الرَّيّاء الممتلئة الذراعين والساقين. (اللسان: خدلج).
(٢) في دلائل النبوة ومختصر تاريخ ابن عساكر: "لما رأيت من فصاحتها".
(٣) تهذيب التهذيب (١٢/ ١٩) وفيه أنّ اسمه هانئ بن نيار.
(٤) ليس اللفظ في م. وابتدأت العبارة فيه بـ "تحب".
(٥) معذوق: أي موسوم به، ومعذوق الإيمان: أي معلَّق به كما في النهاية في غريب الحديث (عذق).
(٦) المغازي (٣/ ٩٨٤ - ٩٨٩)، والطبري (٣/ ١١١).
(٧) انظر القاموس المحيط (رسب).
(٨) انظر القاموس المحيط (خذم).