للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَعْتَمر بالكُلِّية لا قبلَ الحجِّ ولا معه ولا بعدَه، فهذا ممّا لا أعلمُ أحدًا من العلماء قال به، ثم هو مخالفٌ لما صَحَّ عن عائشة وغيرها من أنه اعتمَرَ أربعَ عُمَر كلّهن في ذي القعدة، إلا التي مع حجّته. وسَيَأْتي تَقْرير هذا في فَضْل القِرانِ مُسْتَقْصى. والله أعلم.

وهكذا الحديثُ الذي رواه الإمام أحمد قائلًا في "مسنده" (١): حدّثنا رَوْحٌ، حدّثنا صالِحُ بن أبي الأخْصَرِ، حدّثنا ابن شِهابٍ أنّ عُروةَ أخْبَرَهُ: أنّ عائشةَ زوجَ النبيّ قالت: أهلَّ رسولُ الله بالحَجِّ والعُمْرَةِ في حجةِ الوداع، وساق معه الهَدْي، وأهلَّ ناسٌ معه بالعمرة وساقوا الهدي، وأهلَّ (٢) ناسٌ بالعمرةِ ولم يسوقوا هَدْيًا. قالت عائشةُ: وكنتُ مِمَّن أهَل بالعُمْرة ولم أسُقْ هَدْيًا، فلما قدم رسول الله قال: "منْ كانَ منكم أهَل بالعُمْرة فساقَ معه الهَدْي فَلْيَطُفْ بالبَيْتِ وبالصَّفا والمَرْوة، ولا يَحِلُّ منه شيءٌ حَرُم منه حتى يقضيَ حجَّه ويَنْحَرَ هَدْيَهُ يوم النَّحْرِ، ومنْ كانَ منكم أهل بالعُمْرَةِ ولم يَسُقْ معه هَدْيًا فَلْيَطُفْ بالبيتِ وبالصَّفا والمَرْوة، ثم لْيُقَصِّر (٣) وَليُحْلِلْ، ثم ليُهِلّ بالحَجِّ وليُهْدِ، فمَنْ لم يَجدْ فصيامُ ثَلاثَةِ أيامٍ في الحجِّ وسَبْعَةٍ إذا رَجَعَ إلى أهله".

قالت عائشة: فقدَّمَ رسولُ الله الحجَّ الذي خاف فَوْتَهُ وأَخَّر العُمرة.

فهو حديث من أفْراد الإمام أحمد، وفي بعض ألفاظه نكارةٌ، ولبعضه شاهدٌ في الصَّحيح (٤). وصالحُ بن أبي الأخضر ليس من عِلْيَةِ أصحابِ الزُّهْري، لا سيما إذا خَالَفَهُ غَيْرُه كما هاهنا في بعضِ ألفاظِ سياقِهِ هذا. وقوله: فَقَدَّم الحجَّ الذي يخافُ فوْتَه وأخَّرَ العُمرةَ لا يَلْتَئِمُ مع أول الحديث أهَلَّ بالحَجِّ والعُمْرَةِ، فإنْ أرادَ أنَّهُ أهَل بهما في الجملة وَقَدَّمَ أفعالَ الحجِّ، ثم بعد فراغه أهلَّ بالعمرة - كما يقوله من ذهب إلى الإفراد - فهو مما نحن فيه هاهنا، وإنْ أرادَ أنه أَخَّر العُمْرة (٥) بالكلية بعد إحرامه بها، فهذا لا أعلمُ أحدًا من العلماء صار إليه، وإن أراد أنه اكتفى بأفعالِ الحجِّ عن أفعالِ العُمْرة، ودَخَلَتِ العمرةُ في الحجّ، فهذا قولُ من ذَهَبَ إلى القِران، وهم يُؤؤَلون قولَ منْ روى أنه أفردَ الحجَّ، أي: أفردَ أفعالَ الحجّ، وإن كان قد نَوى مَعَه العُمْرَة، قالوا: لأنه قد روى القِران كل منْ رَوَى الإفرادَ، كما سيأتي بيانُه، والله تعالى أعلم.


(١) مسند الإمام أحمد (٦/ ٢٤٣).
(٢) ط: (وأقل) تحريف.
(٣) في مسند الإمام أحمد: "ثم ليفض وليحل".
(٤) في البخاري رقم (١٦٩١).
(٥) ط: (بالعمرة)، والباء مقحمة.