للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأحاديث الواردةَ في إثبات القِران تردُّ هذا القول، وتأبى كونَه إنما أهَل أولًا بعمرةٍ، ثم بعدَ سَعْيِهِ بالصَّفا والمَرْوة أهلَّ بالحج، فإنَّ هذا على هذه الصِّفَةِ لم يَنْقُلْه اْحدٌ بإسنادٍ صحيح، بل ولا حسنٍ ولا ضعيفٍ.

وقوله في هذا الحديث: تَمَتَّعَ رسولُ الله في حجَّةِ الوَداعِ بالعُمْرة إلى الحجِّ، إن أُريد بذلك التمتع الخاص، وهو الذي يحلّ منه بعد السَّعْي فليس كذلك، فإن في سياق الحديث ما يرُدُّه، ثم في إثبات العُمْرة المقارنة لحجّه ما يأباه، وإن أُريد به التمتُّع العام دخل فيه القِرانُ، وهو المراد.

وقوله: وبَدَأَ رسولُ الله فأهَلَّ بالعُمْرة، ثم أهلَّ بالحَجِّ، إن أُريد به بَدَأَ بلفظِ [العمرة على لفظ] الحجِّ بأن قال: "لَبَّيكَ اللهُمَّ عمرةً وحَجًّا، فهذا سَهْلٌ، ولا يُنافي القِرانَ. وإن أُريد به أنه أهَل بالعُمْرة أولًا، ثم أَدْخَلَ عليها الحَجَّ بتراخٍ (١) ولكن قبلَ الطَّواف قد صار قارنًا أيضًا. وإن أُريد به أنَّه أهَلَّ بالعُمْرة، ثم لمّا (٢) فرغَ من أفعالها تَحَلَّل، أو لم يَتَحَلَّل بسَوْقِ الهَدْيِ، كما زَعَمه زاعمون، ولكنه أهل بحجِّ بعد قضاء مناسِكِ العُمْرة، وقبلَ خُروجِه إلى منًى، فهذا لم يَنْقُلْه أحدٌ من الصَّحابة كما قدَّمْنا، ومنِ ادَّعاهُ من النّاسِ فقولُهُ مَرْدودٌ لعدم نقله، ومُخالفَتِهِ الأحاديثَ الواردةَ في إثبات القِرانِ كما سيأتي، بل والأحاديثَ الواردةَ في الإفراد كما سبق، والله أعلم.

والظَّاهرُ واللهُ أعلم أن حديثَ الليثِ هذا، عن عُقَيْل، عن الزهري، عن سالمٍ، عن ابن عمر. مَرْويٌّ من الطريق الأخرى، عن ابن عمر حين أراد الحج، زمن (٣) مُحاصَرة الحَجَّاج لابن الزُّبَيْر، فقيل (٤) له: إنَّ الناسَ كائنٌ بينَهم شيءٌ، فلو أَخَّرتَ حَجَّ عامك هذا. فقال: إذًا أفعل كما فعل النبي يعني زمن حُصرَ عامَ الحُدَيبية، فأحرم بعُمرةِ من ذي الحُلَيفة، ثم (٤) لما علا شَرَفَ البَيْداء قال: ما أرى أمْرهما إلا واحدًا، فأهلَّ بحجٍّ معها. فاعتقد الراوي أنَّ رسول الله هكذا فَعَلَ سواء، بَدَأ فأهَل بالعُمْرة، ثم أهَل بالحَج، فَرَوَوْهُ كذلك، وفيه نظر لما سَنُبَيِّنُهُ.

وبيانُ هذا في الحديثِ الذي رواهُ عبدُ اللهِ بن وهبٍ؛ أخبرني مالك بن أنس وغيره، أن نافعًا حَدَثَهم، أن عبدَ الله بن عُمَرَ خَرَجَ في الفِتْنَةِ مُعْتَمِرًا، وقال: إن صُددْتُ عن البيت صَنَعْنا كما صَنَعَ رسولُ الله ، فَخَرَجَ فأهَلَّ بالعُمْرة، وسارَ حَتَى إذا ظَهَرَ على ظاهرِ البَيْداء التفتَ إلى أصحابه فقال: ما أمْرُهُما إلا


= (٦/ ٢٨٣، ٢٨٤، ٢٨٥).
(١) ط: (متراخ).
(٢) ليس اللفظ في ط.
(٣) ط: (حين أفرد الحج ومن).
(٤) ليس اللفظ في ط.