للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنبأنا أبو بكر بن الحارث الفقيه، أنبأنا علي بن عمر الحافظ: أنبأنا (١) أبو محمد بن صاعد، حدّثنا محمد بن زُنبور، حدّثنا فُضَيْل بن عياض، عن منصور، عن إبراهيم، عن مالك بن الحارث أو منصور، عن مالك بن الحارث، عن أبي نصر، قال: لقيت عليًا وقد أهللتُ بالحجِّ وأهَلَّ هو بالحجّ والعمرة. فقلت: هل أستطيع أن أفعل كما فعلتَ؟ قال: ذلك لو كنتَ بدأتَ بالعمرة. قلت: كيفَ أفعلُ إذا أردتُ ذلك؟ قال: تأخذُ إداوة من ماءً فتُفيضها عليك، ثم تُهلُّ بهما جميعًا، ثم تطوفُ لهما طوافَيْن، وتسعى لهما سَعْيَيْن، ولا يَحِلُّ لك حرامٌ دون يوم النحر. قال منصور: فذكرتُ ذلك لمجاهد قال: ما كنا نُفتي إلا بطواف واحد، أما الآن فلا نفعل. قال الحافظ البيهقي: وقد رواه سفيان بن عيينة وسفيان الثوري وشعبة، عن منصور، فلم يذكُر فيه السعيَ.

قال: وأبو نصر (٢) هذا مجهول، وإن صحّ فَيُحْتمَلُ أنّه أرادَ طوافَ القُدوم وطوافَ الزيارة.

قال: وقد رُوي بأسانيدَ أُخَر عن علي مرفوعًا وموقوفًا، ومدارها على الحسن بن عُمارة وحفص بن أبي داود، وعيسى بن عبد اللَّه، وحماد بن عبد الرحمن، وكلُّهم ضعيف لا يحتجُّ بشيء مما رَوَوْهُ في ذلك، واللَّه أعلم.

قلت: والمنقول في الأحاديث الصحاح خلاف ذلك، فقد قدّمنا عن ابن عمر في صحيح البخاري أنه أهلَّ بعمرة وأدخل عليها الحج فصار قارنًا وطاف لهما طوافًا واحدًا بين الحجّ والعمرة. وقال: هكذا فعل رسول .

وقد روى الترمذيّ (٣) وابن ماجه (٤) والبيهقي (٥) من حديث الدراوردي، عن عبيد اللَّه، عن نافع، عن ابن عمر. قال: قال رسول اللَّه : "منْ جَمَعَ بين الحجِّ والعُمْرة طافَ لهما، طوافًا واحدًا، وسعى لهما سَعْيًا واحدًا". قال الترمذيّ وهذا حديث حسن غريب. قلت: إسناده على شرط مسلم (٦). وهكذا جرى لعائشة أم المؤمنين فإنها كانَتْ ممَّنْ أهلَّ بعمرةٍ لعدم سوق الهَدْي معها، فلما حاضَتْ أمرَها رسول اللَّه أن تغتسل، وتَهِلَّ بحجٍّ مع عمرتها فصارت قارنة، فلما رجعوا من منى طلبت أن يُعْمرَها من بعد الحجّ، فأعمرها تطييبًا لقلبها، كما جاء مصرحًا به في الحديث.


(١) أ: (حدّثنا).
(٢) أ: (وأبو منصور).
(٣) الترمذي (٩٤٨).
(٤) ابن ماجه (٢٩٧٥).
(٥) السنن الكبرى للبيهقي ٥/ ١٠٧ (٩٢٠٩).
(٦) لكنه معلول، ولذلك اقتصر الترمذيّ على تحسينه.