للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وستّين بَدَنةً، ونحرَ عليّ بقيةَ المئة، ثم أخذ (١) من كل بدنةٍ بضعةٌ، ووضعت في قِدْرٍ، وطُبختْ حتى نضِجَتْ، فأكل من ذلك اللحم، وشرب من ذلك المَرَق. وفي غضون (٢) ذلك حلق رأسه وتطيَّبَ، فلما فرغ من هذا كلِّه ركبَ إلى البيت، وقد خطبَ في هذا اليوم خطبةً عظيمة، ولستُ أدري أكانت قبلَ ذهابه إلى البيت أو بعد رجوعه منه إلى منًى. فاللَّه أعلم.

والقَصْدُ أنَّه ركبَ إلى البيت فطاف به سبعةَ أطوافٍ راكبًا، ولم يَطُفْ بينَ الصَّفا والمَرْوة كما ثبت في "صحيح مسلم" عن جابر وعائشة ، ثم شرب من ماء زَمْزم ومن نبيذ بتمرٍ (٣) من ماء زمزم. فهذا كله مما يُقَوِّي قول منْ قالَ: إنّه صلَّى الظهر بمكةَ. كما رواه جابر. ويُحتمل أنّه رجعَ إلى مِنًى في آخرِ وَقْت الظُّهْرِ، فصلَّى بأصحابه بمنًى الظُّهْرَ أيضًا. وهذا هو الذي أشكل على ابن حزم، فلم يَدْرِ ما يقول فيه، وهو مَعذور لتعارض الروايات الصحيحة فيه. واللَّه أعلم.

وقال أبو داود (٤): ثنا علي بن بحر وعبد اللَّه بن سعيد، المَعْنَى، قالا: ثنا أبو خالد الأحمر، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: أفاضَ رسولُ اللَّه من آخر يومه حين صلَّى الظهر، ثم رجع إلى منًى، فمكثَ بها لياليَ أيام التَّشْريق يَرْمي الجَمْرة إذا زالت الشمسُ، كلُّ جَمْرةٍ بسبعِ حَصَياب يُكَبِّر مَعَ كُلّ حَصَاةٍ.

قال ابنُ حَزْمٍ: فهذا جابرٌ وعائشة قد اتَّفقا على أنه صَلَّى الظُّهْرَ يومَ النَّحْر بمكة، وهما -واللَّه أعلم- أضْبَطُ لذلك من ابن عمر. كذا قال، وليس بشيء، فإنَّ روايةَ عائشةَ هذه ليست ناصَّةً أنه صلَّى الظُّهْرَ بمكةَ، بل مُحْتملةٌ إنْ كانَ المَحْفوظ في الرواية حتى صلَّى الظُّهْر. وإن كانت الروايةُ حين صلى الظهرَ، وهو الأشبه فإنَّ ذلك دليل على أنَّه ، صلَّى الظهر بمنًى قبلَ أن يذهبَ إلى البيت، وهو مُحْتملٌ، واللَّه أعلم. وعلى هذا فيَبْقَى مُخالفًا لحديثِ جابر، فإنّ هذا يقتضي أنه صلى الظهر بمنى قبلَ أن يَرْكَبَ إلى البيت، وحديثُ جابرٍ يقتضي أنه ركبَ إلى البيت، قبل أن يُصلِّي الظهرَ وصَلّاها بمكة.

وقد قال البخاري (٥): وقال أبو الزُّبير: عن عائشة وابن عباس: أخَّرَ النبيُّ [الطواف، يعني]


(١) ط: (أخذت).
(٢) ط: (غبون).
(٣) ط: (تمر).
(٤) أبو داود (١٩٧٣)، وهو حديث حسن.
(٥) البخاري معلقًا قبل رقم (١٧٣٢).