للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال البخاري (١): حدَّثنا علي بن عبد اللَّه، ثنا سفيان، قال: قال عمرو: عن عطاء، عن ابن عباس، قال: ليس التَّحْصيبُ بشيءٍ، إنَّما هو مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رسول اللَّه . ورواه مسلم (٢) عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره، عن سفيان، وهو ابن عيينة، به.

وقال أبو داود (٣): ثنا أحمد بن حنبل وعثمان بن أبي شيبة ومُسَدَّد، المَعْنَى، قالوا: ثنا سفيان، ثنا صالح بن كيسان، عن سليمان بن يسار، قال: قال أبو رافع: لم يَأْمُرْني -يعني رسول اللَّه أن أنزِلَه، ولكن ضربتُ قُبَّتَهُ (٤) فنزله. قال مُسَدَّدٌ: وكان على ثَقَلِ (٥) النبيّ وقال عثمان -يعني في الأبْطَح-. ورواه مسلم (٦) عن قُتَيْبة وأبي بكر وزهير بن حرب، عن سفيان بن عيينة به.

والمقصود أن هؤلاء كُلَّهم اتَّفقوا على نزول النبيّ في المُحَصَّب لمَّا نفر من منًى، ولكن اختلفوا: فمنهم منْ قال: لم يَقْصِدْ نزولَه، وإنما نزلَه اتفاقًا، ليكون أسمحَ لخُروجه، ومنهم منْ أشْعَر كلامُهُ بقصدِهِ نزوله، وهذا هو الأشْبَهُ، وذلك أنه أمرَ الناسَ أن يكون آخر عهدهم بالبيت، وكانوا قبلَ ذلك يَنْصِرفون من كلّ وجهٍ، كما قال ابن عباس: فأُمِرَ النّاسُ أن يكونَ آخر عهدهم بالبيتِ -يعني طواف الوداع-. فأراد أن يطوفَ، هو ومن معه من المسلمين، بالبيت طوافَ الوَداعِ، وقد نفرَ من مِنًى قُريبَ الزَّوال، فلم يكن يُمْكِنُهُ أن يَجيءَ البيتَ في بقية يومِه ويطوفَ به ويرحلَ إلى ظاهر مكةَ من جانبِ المدينة، لأنَّ ذلك قدْ يَتَعذَّرُ على هذا الجَمِّ الغَفير، فاحتاجَ أن يَبيتَ قبلَ مكةَ، ولم يكن منزلٌ أنسبَ لمبيته من المُحَصَّب، الذي كانت قريش قد عاقَدَتْ بني كِنانةَ على بني هاشم وبني المُطلب فيه، فلم يُبْرم اللَّهُ لقُريشٍ أمرًا، بل كَبَتَهُم وَردَّهُم خائبين، وَأَظْهَرَ اللَّهُ دينَه ونَصَر نَبئه وأعلى كلمته، وأتَمَّ له الدّينَ القَويمَ، وأوضحَ به الصراطَ المُستقيم، فحَجَّ بالنّاس، وبيَّن لهم شرائعَ اللَّه وشعائره، وقد نَفَرَ بعد إكمالِ المَناسِكِ، فنزلَ في الموضع الذي تَقَاسَمَتْ قريش فيه على الظُّلْم والعُدْوان والقطيعة، فَصَلَّى به الظُّهْرَ والعَضرَ والمَغْرِبَ والعِشاء، وهَجَعَ هَجْعَةً، وقد كان بعثَ عائشةَ أمَّ المؤمنين مع أخيها عبد الرحمن ليُعْمِرَها من التَّنْعيم فإذا فَرَغَتْ أتَتْهُ، فلما قَضَتْ عُمْرَتَهَا ورَجَعَتْ أذَّنَ في المسلمين بالرَّحيل إلى البَيْتِ العَتيق.

كما قال أبو داود (٧): حدَّثنا وهب بن بَقيَّة، ثنا خالد، عن أفلح، عن القاسم، عن عائشة، قالت: أحْرَمْتُ من التَّنْعيم بعُمْرَةٍ، فدخلت فقضيت عمرتي، وانتظرني رسول اللَّه بالأبْطَحِ حتى


(١) البخاري (١٧٦٦).
(٢) مسلم (١٣١٢).
(٣) أبو داود (٢٠٠٩).
(٤) ليس اللفظ في ط.
(٥) "الثَّقَل": المتاع (النهاية: ثقل).
(٦) مسلم (١٣١٣).
(٧) أبو داود (٢٠٠٥).