للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى صدري، فرأيته ينظرُ إليه، وقد عرفتُ أنه يُحبُّ السِّواك ويألَفُهُ، فقلتُ: آخُذُه لك؟ فأشارَ برأسِه؛ أي: نعم، فَلَيَّنتُهُ له، فأمرَّه على فيه. قالت: وبين يديه ركوةٌ أو علبةٌ فيها ماءٌ فجعلَ يُدْخل يدَهُ في الماءِ فيمسحُ بها وجهه، ثم يقول: لا إله إِلَّا اللَّه، إنَّ للموت لسَكَراتٍ، ثم نصبَ أُصبُعَه اليُسْرى وجَعَلَ يقول: في الرفيقِ الأعلى، في الرَّفيقِ الأعلى، حتى قُبِضَ، ومالت يَدهُ في الماء. ورواه البخاري (١) عن محمد، عن عيسى بن يونس.

وقال أبو داود الطيالسي (٢): ثنا شُعبة، عن سعد بن إبراهيم، سمعتُ عروة يُحَدِّث، عن عائشة، قالت: كُنا نُحَدِّثُ أنّ النبيَّ لا يموتُ حتى يُخَيَّر بين الدنيا والآخرة. قالت: فلما كان مرضُ رسولِ اللَّه الذي مات فيه عرضَتْ له بُحَّةٌ. فسمعته يقول: ﴿مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء: ٦٩] قالت عائشة: فَظَننَّا أنّه كان يُخَيَّر. وأخرجاه (٣) من حديث شعبة به.

وقال الزهري: أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزُّبير في رجال من أهل العِلْم، أنَّ عائِشَة قالَتْ: كان رسولُ اللَّه يقول وهو صحيح: إنه لم يُقْبض نَبيٌّ حتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ من الجَنّة ثم يُخَيَّر. قالت عائشة: فلما نزلَ برسولِ اللَّه ورأسُه على فَخِذي غُشِي عليه ساعةً، ثم أفاق فأَشْخَصَ بَصَرَهُ إلى سَقْفِ البيتِ. وقال: اللَّهمَّ الرفيقَ الأَعلى. فعرفتُ أنَّه الحديثُ الذي كان حَدَّثَناه، وهو صحيح: أنَّه لم يُقْبضْ نَبيٌّ قَطُ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ منَ الجَنَّة، ثم يُخَيَّر. قالت عائشة: فقلت: إذًا لا تَخْتارُنا. قالت (٤) عائشة: كانَتْ تلك الكلمةُ آخِرَ كلمةٍ تكَلَّمَ بها رسولُ اللَّه الرفيقَ الأعلى. أخرجاه (٥) من غير وجهٍ، عن الزُّهْريّ به.

وقال سفيان، هو الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن أبي بُرْدة، عن عائشة، قالت: أُغْميَ على رسول اللَّه وهو في حِجْري، فَجَعَلْتُ أمْسَحُ وَجْهَهُ وأدْعو له بالشفاء. فقال: لا، بَلْ أسألُ اللَّهَ الرفيقَ الأعلى الأسْعَدَ مع جبريلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ. رواه النَّسائي (٦) من حديث سفيان الثوريّ به. وقال البيهقيّ (٧): أنبأنا أبو عبد اللَّه الحافظ وغيره، قالوا: ثنا أبو العباس الأصم، ثنا محمد بن عبد اللَّه بن عبد الحكم، ثنا أنس بن عياض، عن هشام بن عروة، عن عَبّاد بن عبد اللَّه بن الزبير: أنَّ عائشة أخبرتْهُ


(١) البخاري (٤٤٤٩).
(٢) مسند الطيالسي (١٤٥٦).
(٣) البخاري (٤٤٣٥) ومسلم (٢٤٤٤) (٨٦).
(٤) ط: (وقالت).
(٥) البخاري رقم (٤٤٦٣) ومسلم (٢٤٤٤) (٨٧).
(٦) السنن الكبرى (٧١٠٤، ١٠٩٣٦)، وهو حديث صحيح.
(٧) في "دلائل النبوة" (٧/ ٢٠٩).