للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصحابة، فإنَّهم كانوا أطْوَعَ للَّهِ ورسولهِ في حياته، وبعد وفاته، من أنْ يَفْتاتوا (١) عليه فَيُقَدِّموا غيرَ منْ قَدَّمَه، ويُؤَخِّروا منْ قَدَّمَهُ بنصِّه، حاشا وكلا ولمَّا، ومنْ ظنَ بالصحابة، رضوان اللَّه عليهم ذلك، فقد نَسَبَهُم بأجمعهم إلى الفُجور والتَّواطُئِ على مَعَانَدَةِ الرسول ومَضَادَّتِهِم في حُكْمِه ونَصِّه، ومنْ وَصَلَ من الناسِ إلى هذا المقامِ فقد خَلَعَ رِبْقَةَ الإسلامِ، وكَفَرَ بإجماعِ الأئمةِ الأعْلامِ، وكانَ إراقَةُ دَمِه أحَلَّ من إراقَةِ المُدامِ. ثُمَّ لو كانَ مَعَ عليِّ بن أبي طالب، ، نَصٌّ، فلِمَ لا كان يَحْتَجُّ به على الصَّحابة على إثباتِ إمارته عليهم وإمامتِه لهم؟! فإن لَمْ يَقْدِرْ على تَنْفيذِ ما معه منَ النَّصِّ فهو عاجِزٌ، والعاجِزُ لا يَصْلُحُ للإمارةِ، وإن كان يَقْدِرُ ولم يَفعَلْهُ فهو خائنٌ، والخائِنُ (٢) الفاسقُ مسلوبٌ مَعْزولٌ عن الإمارة، وإن لم يَعْلَمْ بوجودِ النَّصِّ فهو جاهل، ثم وقد عرفه وعلمه منْ بَعْدِ هذا (٣)، محالٌ وافتراءٌ وجهلٌ وضَلالٌ. وإنما يَحْسُنُ هذا في أذْهانِ الجَهَلَةِ الطَّغامِ والمغترِّين من الأنام، يُزَينُهُ لهم الشيطانُ بلا دليلٍ ولا برهانٍ، بل بمجردِ التَّحكْمِ والهذيانِ والإفكِ والبُهْتانِ، عياذًا باللَّه مما هم فيه من التَّخْليط والخِذلانِ والتَّخْبيطِ والكُفْران، ومَلاذًا باللَّه بالتَّمسُّكِ بالسُّنَة والقرآنِ، والوفاة على الإسلام والإيمان، والمُوافاةِ على الثباتِ والإيقانِ وتَثْقيل الميزانِ، والنَّجاةِ من النيرانِ والفَوْزِ بالجِنان، إنه كريمٌ منَّان رحيمٌ رحمنٌ.

وفي هذا الحديث الثابت في "الصحيحين" عن عليٍّ الذي قَدَّمْناه، ردٌّ على مُتَقَوّلةِ كثير من الطُّرُقيَّةِ والقُصّاصِ الجَهَلَةِ في دَعْواهم أنَّ النبيَّ أوْصى إلى عليٍّ بأشياء كثيرةٍ يَسُوقُونها مُطَوَّلةً: يا عليُّ افعلْ كذا، يا عليُّ لا تَفْعَلْ كذا، يا عليٍّ منْ فَعَلَ كذا، كان كَذَا وكَذا، بألفاظٍ رَكيكةٍ ومعانٍ أكثرُها سخيفة وكثيرٌ منها ضعيفةٌ (٤) لا تُساوي تَسْويد الصَّحيفة. واللَّه أعلم.

وقد أورد الحافظ البيهقي (٥) من طريق حمادِ بن عمرو النَّصيبي -وهو أحدُ الكَذّابين الوضّاعين (٦) - عن السَّريِّ بن خَلّادٍ، عن جَعْفَر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه، عن علي بن أبي طالب، عن النبي ، قال: يا عليُّ أوصيكَ بوَصِيَّةٍ احْفَظْها فإنَّكَ لا تزالُ بخيرٍ ما حَفِظْتها، يا عليُّ إنّ للمؤمن ثلاثَ علاماتٍ: الصلاةَ والصِّيامَ والزَّكاةَ. قال البيهقي: فذكَر حديثًا طويلًا في الرَّغائب والآداب، وهو حديثٌ موضوعٌ، وقد شَرَطْتُ في أول الكتاب أنْ لا أُخْرِجَ فيه حديثًا أعْلَمُهُ موضوعًا. ثم روى (٧) من طريق حماد بن عمرو


(١) أفتات هو افتعل من الفوات: السبق يقال لكل من أحدث شيئًا في أمرك دونك: قد افتات عليه فيه. (النهاية: فوت).
(٢) أ: (فهو جائر والجائر).
(٣) ط: (من بعده هذا).
(٤) ط: (سخيفة).
(٥) دلائل النبوة للبيهقي (٧/ ٢٢٩).
(٦) ط: (الصواغين).
(٧) دلائل النبوة (٧/ ٢٢٩ - ٢٣٠).