للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا الحديث في الصحيحين أيضًا: من حديث شَيْبان بن عبد الرحمن، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، عن النبي قال: "ألا أحَدِّثكم عن الدَّجَّال حديثًا ما حدَّث به نبيٌّ قومه، إنَّه أعورُ، وإنَّه يجيءُ معه بمثالِ الجنَّة والنَّار، فالتي يقولُ إنها (١) الجنَّة هي النَّار، وإني أنذركُم كما أنذرَ به نوحٌ قومَه" (٢) لفظ البخاري.

وقد قال بعضُ علماءِ (٣) السَّلف: لما استجابَ اللَّه له أمرَه أن يغرسَ شجرًا ليعملَ منه السفينة، فغرسَه وانتظره مئة سنة، ثم نجره في مئة أخرى، وقيل: في أربعينَ سنةً، فاللَّه أعلم.

قال محمد بن إسحاق: عن الثوري، وكانت من خشب السَّاج. وقيل: من الصنوبر، وهو نصُّ التوراة. قال الثوري: وأمره أن يجعلَ طولها ثمانينَ ذراعًا وعرضَها خمسينَ ذراعًا، وأن يطليَ ظاهرَها وباطنَها بالقار، وأن يجعلَ لها جؤجؤًا أزور (٤) يشقُّ الماء، وقال قتادة: كان طولُها ثلثمئة ذراع في عرض خمسين ذراعًا، وهذا الذي في التوراة على ما رأيته. وقال الحسن البصري: ستمئة في عرض ثلاثمئة ذراع. وعن ابن عباس: ألف ومئتا ذراع في عرض ستمئة ذراع. وقيل: كان طولها ألفيْ ذراع وعرضُها مئة ذراع. قالوا كلُّهم: وكان ارتفاعُها ثلاثين ذراعًا، وكانت ثلاث طبقات، كل واحدة عشرة أذرع، فالسُّفلى للدَّوابِّ والوحوش، والوسطى للنَّاس، والعُليا للطيور، وكان بابُها في عرضها، ولها غِطاءٌ من فوقها مُطبقٌ عليها.

قال اللَّه تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (٢٦) فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا﴾ [المؤمنون: ٢٦ - ٢٧] أي: بأمرنا لكَ، وبمرأى منَّا لصَنْعَتكَ لها، ومُشاهدتِنا لذلك، ولنرشدكَ إلى الصَّواب فىِ صنعتِها ﴿فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ﴾ [المؤمنون: ٢٧] فتقدَّم إليه بأمره العظيم العالي أنَّه إذا جاء أمرُه وحلَّ بأسُه أن يحملَ في هذه السفينة من كلٍّ زوجين اثنين من الحيوانات، وسائر ما فيه روحٌ، ومن المأكولات وغيرها، لبقاءِ نَسْلِها، وأن يحملَ معه أهلَه، أي: أهل بيته، إلا منْ سبقَ عليه القولُ منهم، أي: إلا من كانَ كافرًا، فإنَه قد نفذتْ فيه الدعوة التي لا تُردُّ، ووجبَ عليه حلولُ البأسِ الذي لا يُردُّ، وأمر أنَّه لا يُراجعه فيهم إذا حلَّ بهم ما يُعاينه من العذاب العظيم، الذي قد حتَّمه عليهم الفعَّالُ لما يُريد، كما قدَّمنا بيانه قبل.


(١) في أ والمطبوع: عليها.
(٢) أخرجه البخاري (٣٣٣٨) في الأنبياء، والبخاري (٢٩٣٦) في الفتن وأشراط الساعة.
(٣) في أ: بعض السَّلف.
(٤) "جُؤجؤًا أزور": الجؤجؤ: صدر السفينة. والأزور: المنحرف المائل. وانظر هذه الأقوال عن طول السفينة وعرضها في تفسير الطبري (٧/ ٣٥ - ٣٦) والدر المنثور (٤/ ٤١٩).