للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ﴾ [هود: ٣٧ - ٣٨] أي: يستهزئون به استبعادًا (١) لوقوع ما توعَّدهم به، ﴿قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾ [هود: ٣٨] أي: نحن الذين نسخرُ منكم، ونتعجَّبُ منكم في استمراركُم على كُفركم وعنادِكم الذي يقتضي وقوعَ العذاب بكم وحلوله عليكم ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ [هود: ٣٩].

وقد كانت سجاياهم الكفرَ الغليظ، والعنادَ البالغَ في الدنيا، وهكذا في الآخرة، فإنَّهم يَجْحدون (٢) أيضًا أن يكونَ جاءَهم (٣) رسولٌ.

كما قال البخاري (٤): حدَّثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبدُ الواحد بن زياد، حدَّثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، قال: قال رسول اللَّه : "يجيءُ نوح وأمَّتُه، فيقولُ اللَّه ﷿: هل بلَّغتَ؟ فيقولُ: نعم أي ربّ، فيقولُ لأمَّته: هل بلَّغكُم؟ فيقولون: لا، ما جاءنا من نبيٍّ. فيقولُ لنوحٍ: منْ يشهدُ لكَ؟ فيقول: محمَّدٌ وأمَّتُه. فنشهدُ أنه قد بلَّغَ". وهو قوله: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: ١٤٣]. والوسط: العدل.

(٥) فهذه الأمة تشهدُ على شهادة نبيِّها الصَّادق المصدوق، بأنَّ اللَّه قد بعثَ نوحًا بالحقِّ، وأنزلَ عليه الحقَّ، وأمره به، وأنه بلَّغه إلى أمَّته على أكمل الوجوه وأتمِّها، ولم يدعْ شيئًا مما ينفعُهم في دينهم إلا وقد أمرَهم به، ولا شيئًى مما قد يضرُّهم إلا وقد نهاهم عنه، وحذَّرهم منه.

وهكذا (٦) شأنُ جميع الرسل، حتَّى أنه حذَّر قومه المسيحَ الدَّجَّال، وإن كان لا يتوقَّعُ خروجَه في زمانهم، حذرًا عليهم وشفقةً ورحمةً بهم.

كما قالَ البخاريُّ: حدَّثنا عَبْدان، حدَّثنا عبدُ اللَّه، عن يُونس، عن الزُّهريِّ، قال سالم: قال ابنُ عمر: قامَ رسولُ اللَّه في النَّاسِ فأثنى على اللَّه بما هو أهلُه، ثم ذكرَ الدَّجَّال، فقال: "إنِّي لأنذركُموهُ، وما من نبيٍّ إلا وقد أنذرَه قومَهُ، لقد أنذرَ نوحٌ قومَهُ، ولكني أقولُ لكم فيه قولًا لم يَقُلْه نبيٌّ لقومِه، تعلمونَ أنَّه أعورُ، وأنَّ اللَّه ليسَ بأعور" (٧).


(١) في المطبوع: استعبادًا؛ وهو تصحيف ظاهر.
(٢) "يجحدون": يُنكرون.
(٣) في أ: من رسول.
(٤) في صحيحه (٣٣٣٩) في الأنبياء.
(٥) في أ: وهكذا رواه.
(٦) في ب: وهذا.
(٧) أخرجه البخاري (٣٣٣٧) في الأنبياء.