للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وروى علباءُ بن (١) أحمر: عن عكرمة، عن ابن عبَّاس، قال: كان مع نوحٍ في السفينة ثمانونَ رجلًا معهم أهلوهم، وإنهم كانوا في السفينة مئة وخمسين يومًا، وإن اللَّه وجَّهَ السفينةَ إلى مكَّة، فدارت بالبيتِ أربعينَ يومًا، ثم وجَّهها إلى الجُودِيِّ (٢) فاستقرَّتْ عليه، فبعثَ نوحٌ الغراب ليأتيَه بخبر الأرض، فذهبَ فوقعَ على الجِيفَ فأبطأ عليه، فبعثَ الحمامةَ فأتته بورقِ الزيتونِ ولطختْ رِجْلَيْها بالطِّين، فعرفَ نوحٌ أنَّ الماءَ قد نضبَ، فهبط إلى أسفلِ الجُوديِّ، فابتنى قريةً وسمَّاها ثمانينَ، فأصبحوا ذاتَ يومٍ وقد تبلبلتْ ألسنتُهم على ثمانينَ لغةً، إحداها العربيُّ، وكان بعضُهم لا يَفْقهُ كلامَ بعضٍ، فكانَ نوحٌ يُعبِّرُ عنهم (٣).

وقال قتادةُ وغيره: ركبوا في السفينة في اليوم العاشر من شهر رجب، فسارُوا مئة وخمسين يومًا، واستقرَّت بهم على الجوديّ شهرًا، وكان خروجُهم من السفينة في يوم عاشوراء من المحرم (٤).

وقد روى ابن جرير (٥) خبرًا مرفوعًا يُوافق هذا وأنهم صامُوا يومَهم ذلك.

وقال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو جعفر، أخبرنا عبدُ الصمد بن حَبيب الأزدي، عن أبيه حبيب بن عبد اللَّه، عن شُبَيْل، عن أبي هريرة، قال: مرَّ النبيُّ بأناس من اليهود وقد صامُوا يومَ عاشُوراء، فقال: "ما هذا من الصوم؟ " فقالوا: هذا اليوم الذي نجَّا اللَّه موسى وبني إسرائيلَ من الغَرَقِ، وغَرَّقَ فيه فرعون، وهذا يوم استوت فيه السفينةُ على الجُوديِّ، فصامَ نوحٌ وموسى شكرًا للَّه ﷿، فقال النبيُّ: "أنا أحقُّ بموسى وأحقُّ بصومِ هذا اليوم" (٦).

وقال لأصحابه: "مَنْ كانَ منكم أصبحَ صائمًا فليتمَّ صومَه، ومَنْ كان منكم قد اصابَ من غداءِ أهلِه فليتمَّ بقيَّةَ يومِه" (٧).

وهذا الحديث له شاهدٌ في الصحيح (٨) من وجه آخر، والمستغرب ذكرُ نوحٍ أيضًا، واللَّه أعلم.

وأما ما يذكرُه كثيرٌ من الجهلة أنهم أكلوا من فُضولِ أزوادِهم ومِنْ حُبوبٍ كانت معَهم قد


(١) علباء بن أحمر: اليشكري روى عن عمرو بن أخطب، وعكرمة، وثقه ابن معين وأبو زرعة الرازي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أحمد: لا بأس به لا أعلم إلا خيرًا، وهو من رجال مسلم (تهذيب الكمال ٢٠/ ٢٩٣ - ٢٩٤).
(٢) "الجوديّ": اسم جبل بالجزيرة، استوت عليه سفينة نوح.
(٣) ذكره ابن كثير في التفسير أيضًا (٢/ ٥٥٠ - ٥٥١) ولم يعزه لكتاب.
(٤) ذكره ابن كثير في التفسير (٢/ ٥٥١).
(٥) في التاريخ (١/ ١٩٠) عن عبد العزيز بن عبد الغفور، عن أبيه.
(٦) أخرجه أحمد في المسند (٢/ ٣٥٩ - ٣٦٠)، وإسناده ضعيف، ولكن لقصة موسى دون نوح شواهد يقوى بها.
(٧) أخرجه أحمد في المسند (٢/ ٣٥٩)، وإسناده ضعيف، ولكن له شواهد يقوى بها.
(٨) أخرجه البخاري (٤٦٨٠) في التفسير، ومسلم (١١٣٠) في الصيام.